نهضة مصر – الثلاثاء 29/11/2005 – راجي عنايــت
أين الخطر الأكبر
على مستقبل مصر ؟
أطرح هذا السؤال بمناسبة التحذير الذي تكرر في وسائل الإعلام من مخاطر الصعود غير المتوقّع لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية الحالية .. و أدعو إلى أن نفيق من دوامة الانحطاط غير الديموقراطي الذي فرضته علينا انتخابات الرئاسة و البرلمان، و أن نفكّر بشكل جاد، لنعرف من الذي يشكّل ـ بحق ـ الخطر الأكبر على مستقبل مصر:الإخوان المسلمون، أم الحزب الوطني، أم الأحزاب الوهمية الأخرى، و التي لا يعلق بالذاكرة سوى القليل منها
لقد أوضّحت من قبل
أن البشر ـ في جميع أنحاء العالم ـ على مشارف نسق جديد من الحياة، يختلف اختلافا شديدا عن النسق الذي عرفوه، و رتّبوا شئون حياتهم وفقا لمتطلباته، على مدى ما يزيد عن قرنين من الزمان، طوال عصر الصناعة
و أن الانتقال من حياة مجتمع الصناعة، إلى حياة مجتمع المعلومات، يقتضي إعادة بناء معظم ما تعارفنا عليه في مجالات حياتنا الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و أنّ هناك خطأ متكررا في حديث الجميع .. الحزب الوطني و أمانة سياساته، و الأحزاب السياسية الأخرى، و الجماعات و التشكيلات الجديدة التي نبتت من جوف الفوران السـياسي الحالي .. هذا الخطأ يكمن في الاستخدام الدائم لكلمة ( الإصلاح )، في البرامـج أو المطالب التي يجري طرحها · لقد سبق أن أوضحت معنى الإصلاح، و عدم جدواه بالنسبة لمستقبل مصر، الذي يقتضي القيام بعمليات إعادة بناء شاملة، وفقا لواقع الحياة في عصر المعلومات . الإصلاح يعني العودة بالنظام إلى وضعه الأصلي، قبل أن يفسد و يقتضي الإصلاح . و هو أمر قد يفيد على المدى القصير جدا، لكنه يكون ضارا بمستقبل مصر · أفضل ما تمخّضت عنه القرائح في برامج الأحزاب و الجماعات، لا يخرج عن أحد أمرين، إصلاحات متفرّقة في محاولة للعودة بالراهن إلى ما كان عليه الحال من قبل، أو أماني و أحلام لا تنبع من رؤية مستقبلية واضحة
الواقع المرير
انتهينا من البرامج والأحلام، و واجهنا الواقع المصري المرير . و بدأ الحزب الوطني في ارتكاب كلّ ما يخطر على البال من الخطايا
· استخدام القوّة المفرطة، انطلاقا من الرصيد التاريخي لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى قواتها الخاصّة الجديدة من المسجلين و المسجلات خطـر، و حملة السيوف و الخناجـر و السواطير و النبابيت، و الاعتماد على هذه القوات الخاصّة في إرهاب المرشحين و الناخبين من غير جمهور الحزب الوطني، بالإضافة إلى إرهاب القضاة، و خطف و حرق صناديق الانتخاب
· استخدام القوّة المفرطة، انطلاقا من الرصيد التاريخي لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى قواتها الخاصّة الجديدة من المسجلين و المسجلات خطـر، و حملة السيوف و الخناجـر و السواطير و النبابيت، و الاعتماد على هذه القوات الخاصّة في إرهاب المرشحين و الناخبين من غير جمهور الحزب الوطني، بالإضافة إلى إرهاب القضاة، و خطف و حرق صناديق الانتخاب
الضغط على ضعاف النفوس من عناصر الإشراف القضائي على العملية الانتخابية، من القضاء الجالس و الواقف، و المنتظر الثمن على ركبة و نص ! .. و بالمناسبة القضاة ليسوا أنبياء منزّهين عن الخطيئة و المطامع، بالضبط كما يوجد بين رعايا صاحبة الجلالة الصحافة عملاء للنظام الحاكم، أو من نطلق عليهم تعبير "الخدم السايرة" .. و أمامنا باقة منهم جلست حديثا على مقاعد من سبقهم في الصحف و المجلات الحكومية
تغيير النتائج إلى العكس تماما ـ بكل البجاحة السياسية غير المسبوقة ـ و بقرارات علوية، يوقظ من أجلها المسئولين من " أحلاها نومة " ! . و على المتضرر اللجوء إلى الله ( باعتبار أن القضاء في مأزق حاليا ) .. أو إلى الإخوان المسلمين
و النتيجة أن يسلك المرشحون من أحزاب أخرى نفس مسلك الحزب الرائد للحفاظ على حقّهم .. و يتبدد الأمل في انتخابات نظيفة و صادقة نهائيا
و النتيجة أن يسلك المرشحون من أحزاب أخرى نفس مسلك الحزب الرائد للحفاظ على حقّهم .. و يتبدد الأمل في انتخابات نظيفة و صادقة نهائيا
أوكازيون الإخوان المسلمين
ماذا حدث بعد كل هذه الجهود غير المباركة من جانب الحزب و الحكومة .. خرج الإخوان المسلمون من القمقم الذي أحكمته عليهم السلطة طويلا .. هذه اللعبة الخطرة مارسها من قبل الرئيس المؤمن أنور السادات، عندما حرّض التيار الإسلامي على اليسار المصري في الجامعة، و انتهت اللعبة و حياته معا بمأساة المنصّة
و بصرف النظر عمّا تتمخّض عنه النتائج النهائية لهذه الانتخابات المشئومة .. و بصرف النظر عمّا يمكن أن يحدث لو نجح الإخوان في الحصول بأنفسهم، أو من خلال تربيطات، على ما يزيد على ثلث مقاعد مجلس الشعب، و سواء تحالف معهم النظام الحاكم، أم اضطّر إلى أن يقلب المنضدة على الجميع بإلغاء هذه الانتخابات نهائيا، طارحا اختراعا جديدا ( على فرض أن الولايات المتحدة ستقبل هذا، ردا لجميل النظام الحاكم و خدماته العلنية و السرّية لأمريكا ) .. بصرف النظر عن كلّ هذا، فالحقيقة أن الشعب المصري أصبح واعيا بالهوّة التي يتردّى فيها الحزب الوطني، جديده و قديمه
و كانت النتيجة أن تحققت مكاسب الإخوان المسلمون، بفضل التصرفات الخرقاء للحزب الوطني، و بفضل الضعف و الهزال الشديد للأحزاب الأخرى، و الذي هو نتيجة مشتركة لتآمر الحزب الوطني و لعدم قدرة تلك الأحزاب على مواجهة ذلك التآمر
و كانت النتيجة أن تحققت مكاسب الإخوان المسلمون، بفضل التصرفات الخرقاء للحزب الوطني، و بفضل الضعف و الهزال الشديد للأحزاب الأخرى، و الذي هو نتيجة مشتركة لتآمر الحزب الوطني و لعدم قدرة تلك الأحزاب على مواجهة ذلك التآمر
من هو الأخطر
و الآن .. دعونا من كل هذا، و لنسأل أنفسنا : من هو الذي يشكّل الخطورة الأكبر على مستقبل مصر من حيث ما يسير عليه من عقيدة أو أيديولوجية ؟ .. هل هو الحزب الوطني، أم الإخوان المسلمون، أم الأحزاب الأخرى ؟
الحزب الوطني مع كل أوراقه القديمة و الحديثة، التي يضمّها موقعه على الإنترنيت، لم يقم على أيديولوجية أو عقيدة أو فكر ما .. لقد اخترعه أنور السادات، فتدافعت إليه أكثر العناصر انتهازية في مصر، و نبعت قوّة الحزب منذ ذلك الوقت و حتّى الآن على تبادل المنافع و المصالح بين النخبة الحاكمة و قيادة الحزب .. ومع هذا فإن الحزب الوطني على مدى ثلاثة عقود، لم يفعل سوى تخريب الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية
و بهذا، يمكننا إخراج الحزب الوطني من القائمة، و استبعاد أي خطورة من جانبه على مستقبل مصر، باعتباره قد فقد مصداقيته بعد أن كشف أوراقه كاملة بممارساته العلنية، التي شهدها المصريون جميعا .. و الأرجح ألاّ بجد بعد اليوم المساندة التي كان يستمتع بها من الخارج
· لا يوجد بين باقي الأحزاب من بمكن اعتبار أنّه يقوم على أيديولوجية سوى حزب التجمّع . فحزب الوفد ينتسب إلى حدث تاريخي، في ظل تركيبة مجتمعية لم تعد قائمة . و الحزب الناصري، قد يزعم الاستناد إلى العقيدة الناصرية، لكن المشكلة هي أن الناصرية تجربة و ليست عقيدة، جرت في ظل العقود الأخيرة لسيادة المجتمع الصناعي . و على أي حال فإن الضعف الشديد لهذه الأحزاب، يسقط أي تخوّف منها في الحاضر أو المستقبل
عقيدة التجمّع، الماركسية، يرجع تاريخها إلى بدايات عصر الصناعة، و مرجعيتها تعود إلى ما يقرب من ثلاثة قرون ... و قد انقضت مصداقيتها، هي و الرأسمالية، باعتبارهما معا وجهان لعملة واحدة، هي صالح الاقتصاد الصناعي الذي تراجع منذ منتصف القرن العشرين مفسحا السبيل لاقتصاد المعلومات
· لم يبق لدينا سوى ( البعبع )، أو جماعة الإخوان المسلمين .. و التي تعود مرجعيتها إلى ما يقرب من 15 قرنا قرب نهايات عصر الزراعة، فيما قبل التحوّل إلى مجتمع الصناعة، و إلى مجتمع المعلومات، و كل من هذين العصرين له أسسه و مبادئه و نظمه و قيمه الخاصّة به و التي تختلف عن مثيلاتها في عصر الزراعة
و نحن نتّهم الإخوان المسلمين بالتقية، و أنهم يعلنون غير ما يخفون، بالنسبة لبرامجهم و سياساتهم .. فنظلمهم بذلك، لأنّهم ـ فعلا ـ لا يعرفون لهم أي ضرب من البرامج أو السياسات، سوى تلك القائمة على المرجعية الضاربة في أعماق التاريخ
No comments:
Post a Comment