Wednesday, November 4, 2009

ما قبل الإنفجــار

نهضة مصر – الثلاثاء 3/1/2006 – راجي عنايــت

هل يتنازل النظام
عن نسبة من سلطة اتخاذ القرار؟

بعد أن اضطرّ النظام الحاكم إلى الكشف عن رفضه البات لمشاركة أي فئة من الشعب، من خلال نظام ديموقراطي مزيّف انتهت صلاحيته .. هل يعقل أن يقبل بالتنازل عن نسبة من سلطة اتخاذ القرار لمستويات و فئات من الشعب، رأسيا و أفقيا ؟
"هل يجوي أن أتحدّث عن طبيعة الممارسـة الديموقراطية لعصر المعلومـات، أعني بذلك " ديموقراطية المشاركة" لنظام يرفض التغيير شكلا و مضمونا
ما الذي يرغم هذا النظام الحاكم الذي تكلّست فقراته، على أن يتحرّك، و لا أقول أن يغيّر شيئا ؟ , لقد رسب في وعي الحاكم ـ لطول ما التصق بكرسيه ـ أنّه قدر مصر !! . فما هي الظروف الموضوعية التي تتيح التغيير ؟

مصر و دوامة الضغوط

المعروف علميا أن النظام ـ أي نظام سواء كان دولة، أو مؤسسة، أو جسد بشري، أو مركّب كيميائي ـ يتغيّر وفقا للضغوط الداخلية و الخارجية التي يتأثّر بها . و عندما تتزايد الضغوط الخارجية و الداخلية إلى حد معيّن ينفجر النظام، و ينتهي . و البديل الوحيد للانتهاء و التلاشي، هو وجود رؤية بديلة، تساعد النظام أن يتغير جذريا، و يعيد بناء نفسه بطريقة تسمح له بمواجهة الضغوط القوية : إذا كانت لدى القارئ أية حساسية سياسية، أو كان من كذبة ـ أقصد كتبة ـ الصحف الحكومية، فعليه أن يتصوّر حديثنا هذا يدور حول أحد المركبّات الكيميائية، و ليكن كلوريد الصوديوم، و ليس النظام الحاكم المصري
و مصر، في السنوات الأخيرة، أصبحت نموذجا لتواطؤ الضغوط الخارجية مع الضغوط الداخلية .. و هذا هو ما يهدد الكيان المصري، و المستقبل المصري و ليس النظام المصري فقط . وهذا هو ما يدفعنا إلى ضرورة تبنّي رؤية مستقبلية بديلة لإعادة بناء مصر، و ضرورة أن تتكاتف جميع القوى المخلصة الفاهمة، لإرساء أسس تلك الرؤية المستقبلية، ثم فرض الشكل الأمثل لتحقيقها
الرؤية المستقبلية لمصر، و التي أتحدّث عنها تختلف تماما عن الاستراتيجيات و الخطط التي ترسمها الأجهزة الأمريكية، و التي نقرأ عنها في أدبيات وزارة الدفـاع الأمريكية (راند )، ومجلس الاستخبارات
القومي الذي يضم كافة أجهزة المخابرات، أو موقع مشروع القرن الأمريكي الجديد، أو في مطبوعات المحافظون الجدد،و مجلة الويكلي استاندارد .. لقد درست هذه الجهات الأمريكية أيضا احتمالات التغيير في دول الشرق الأوسط، غير أن الهدف الذي يعلنونه بصراحة، هو المحافظة على مصالحهم ـ و ليس مصالحنا ـ في المنطقة

العزلة تعني الانتحار

و الرؤية المستقبلية لمصر، رغم انطلاقها من الواقع الحالي المتردّي، تنبع من الرؤية المستقبلية للجنس البشري، في توجّهه إلى مجتمع المعلومات .. هذه حتمية ستعم الجميع، بمن في ذلك دعاة العودة 14 قرنا إلى الوراء . الانعزال كان ممكنا في أوج سيادة عصر الصناعة، لكنّه الآن يعني الانتحار
مجتمع المعلومات له محدداته في المجالات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، علينا أن ندرسها و نفهمها، حتّى نحقق القصد في تفكيرنا .. ومن بين أهم أسس الممارسة السياسية في مجتمع المعلومات، التحوّل من ديموقراطية التمثيل النيابي، إلى شكل جديد من الممارسة السياسية، يتوافق مع حياة البشر في مجتمع المعلومات , لكن هذا التحوّل الكبير، شأنه شأن التحولات الكبيرة الأخرى، يجب أن يتم تطبيقها بشكل متجانس، و بتوقيتات سليمة، وفقا لاستراتيجية نابعة من الرؤية المستقبلية التي نتحدّث عنها
بكلمات أخرى، لا يمكن تطبيق ديموقراطية المشاركة، إلا في ظل تعليم و إعلام ينشدان إحياء العقل و التفكير و الابتكار، و احترام اختلاف الفرد عن الآخرين، و يشيعان منطق المشاركة في جميع مراحل و جوانب الحياة . ( و هذا هو عكس ما كان يتطلبه عصر الصناعة من الاعتماد على التلقين و القولبة ) . أيضا في ظل اقتصاد حرّ لا تحتكره الحكومة، و يمضي وفق محددات جديدة تماما، اقتصاد رمزي، يعتمد على نقود رمزية .. اقتصاد قادر على التعامل مع الطبيعة الخاصّة للمعلومات، و على تعلية قيمتها بالنسبة للسلع و الخدمات

تحذير واجب

لا بد هنا من طرح تحذير واجب، فيما يتصل بقدرة كهنة الحكم على استهلاك المصطلحات، و العبث بالكلمات بهدف التضليل و التزوير .. و إليكم مجالات التحرّك نحو ديموقراطية المشاركة
أولا
عشرون عاما مضت و أنا أكتب عن ضرورة إعادة بناء التعليم في مصر، وفق احتياجاتالمعلومات .. كتبت عشرات المقالات و الكتب، و تكلّمت في الإذاعة و التلفزيون، و حاضرت في مجتمعات تضم العديد من رجال التعليم .. و دخلت في حوارات و معارك مع وزراء التعليم المتعاقبين، و كان نصيبي حلو الكلام و المهادنة، كما كان الحال مع د. فتحي سرور و د. جمال الدين، و الحرب المسعورة على يد د. حسين كامل بهاء الدين . و النتيجة : لم يتغيّر شيء، التعليم
الحالي عندنا، في مختلف المراحل، من المرحلة الأولى و حتّى التعليم العالي، لا يوصف فقط بالتخلّف أو الانحطاط، بل هو في واقع الأمر جريمة في حقّ مصر، و حق الأجيال القادمة، التي ستجني ثمار التخلّف و البطالة التي ارتضيناها
ثانيا
الحكم المحلّي، على مختلف المستويات، هو آلية ديموقراطية المشاركة الأساسية، و منذ سنوات طويلة و نحن ندّعي إقامة حكما محليّا، و كل ما فعلناه أن أقمنا وكالات للحكم المركزي، سلمنا أمرها لعشرات من ضباط الشرطة معظمهم كان فاسدا، أو أفسد بحكم طبيعة العمل . و جعلنا الحكم المحلّي من العاصمة و حتّى القرية، مكاتب فرعية لمكتب السيد كمال الشاذلي، يدير بها أي انتخابات لحساب الحاكم
ثالثا
الحكم المحلّي المطلوب في ديموقراطية المشاركة، يكون لحساب إشاعة الحس الديموقراطي، و زرع فكرة حرية الاختيار، على مختلف المستويات .. و هو يعمل لحساب الموقع، و يتخذ القرارات المناسبة في حدود الاختصاص، وفقا للاستراتيجية العامة للدولة، و دون ضغوط من أعلى .. هو حكم لحساب الشعب في القواعد و على مختلف المستويات، و ليس سلطة تعمل لحساب الحاكم في العاصمة
رابعا
فكّ حصار الدولة عن نشاط منظمات المجتمع المدني، هو ضمان التمهيد لديموقراطية المشاركة . غير أن مجموعات العمل المدني التي أعنيها، تختلف عن التي نعرفها حاليا و تقصر نشاطها في مكاتب و صحافة و استديوهات تلفزيون و إذاعة القاهرة . مجموعات العمل المدني المطلوبة تكون في القرى و المراكز و الأحياء، تتدرّب على فهم مصلحة النطاق الذي تتحرّك فيه، و على حمايته من نفوذ كلّ من له نفوذ، و تساعد الجمهور المحدود على اتخاذ القرارات النافعة له
خامسا
إذا كان الكلام السابق يشير إلى التمهيد لعملية الهبوط بنسبة من مسئولية اتخاذ القرار، من قمّة الدولة إلى قواعدها، بشكل رأسي، فهناك أمر آخر يتّصل بتوزيع نسبة من مسئولية اتخاذ القرار أفقيا هذه المرّة . و قد نعود إلى شرح هذا بالتفصيل مستقبلا، لكن مجمل القول أن ديموقراطية التمثيل النيابي، التي ابتكرها الآباء الأوائل لعصر الصناعة، جاءت متأثّرة بمنطق الأشياء في عصر الزراعة السابق له، لهذا لم يكن بإمكانهم إقامة نظام ديموقراطي بعيدا عن التوزيع الجغرافي ( و هو ما نطلق عليه اليوم الوحدات الانتخابية ) . لكن الأمر يتغيّر حاليا
سادسا
ديموقراطية المشاركة، تحتمل التوزيع الأفقي لجانب من عملية اتخاذ القرار، بتعميق الممارسة الديموقراطية في الاتحادات و النقابات و الهيئات العلمية و الجامعات، و تصعيد حصيلة تلك الممارسة، أو صفوتها، إلى المستوى الأعلى للتشكيلات الديموقراطية في الدولة، لتشارك بنسبة معينة الصفوة المصعّدة من التشكيلات الرأسية

* * *

أمامنا احتمالان : أن يفهم النظام الحاكم طبيعة التغيرات المتسارعة التي تحاصره، و يمهّد طوعا للتغييرات الأساسية، التي لابد أن تعني انسحابه في مرحلة معينة .. أو أن يمضي فيما هو فيه، معاندا و متجاهلا جميع الضغوط المتزايدة، باعتبار أن ربنا كريم

No comments:

Post a Comment