نهضة مصر – 22/11/2005 – راجي عنايــت
.. هذه الانتخابات
جعلها الله
آخر أحزان الشعب، و هزائمه
أوشك الحديث عن البرامج السياسية و الوعود الوردية أن ينتهي، لكي يتفرّغ الجميع لمراجعة كشوف المكسب و الخسارة، و الاستعداد لاسترداد كل جهد أو مال بذله حزب أو مرشّح.. و فوقه الأرباح . و لمّا كانت انتخابات هذا العام مكلّفة بشكل استثنائي استهلكت الكثير من أموال الشعب والحكومة و الأحزاب و كبار الرأسماليين و قيادات التيار الإسلامي، شعرت بحتمية وقوع التغيير الجذري .. فدون زعم التنبؤ بالمستقبل، لدي إيمان عميق بأن هذه الانتخابات ـ أيا كانت نتائجها ـ ستكون آخر الأحزان لشعب مصر .. لماذا ؟، لأن أطرافها جميعا قد استنزفوا جميع الفرص التي أتيحت لهم، و استغلوا براءة الجماهير أو سذاجتها أو انكسارها التاريخي، أو صبرها المرضي الطويل .. لكن، لكل شيء نهاية
الأغلبية الصامتة
نحن في أشد الحاجة إلى المعرفة الدقيقة لأساسيات البرامج المستقبلية لمصر، التي تساعدنا على إعادة البناء في جميع المجالات، بجهد مخطط مدروس، يساعدنا على اللحاق بالركب العالمي .. و سنرى أنها تختلف جذريا عمّا يردده دعاة الحزب الوطني و أمانة سياساته، و أيضا مع أي حزب أو تشكيل من التشكيلات التي أفرزتها الصحوة الديموقراطية الموءودة .. و الأمل كبير في أن تستفيد من هذه المعرفة الأغلبية الصامتة المنطوية من فرط يأسها، و الأقلية العاقلة الأمينة في جميع التجمّعات الحالية، و التي لم تتلوّث بعد بالمصالح، أو تغرق في التفكير السياسي الغوغائي .. إنّ ما أطرحه هنا يستهدف جيلا جديدا من أبناء مصر و بناتها، لمسوا فساد الساسة و تخلّفهم، و استندوا إلى معارف لم تكن ميسّرة لمن سبقهم، و أحسنوا استخدام التكنولوجيات المعلوماتية التي أتاحها عصر المعلومات، و أدركوا الحاجة إلى عمليات إعادة بناء جذرية، تحكمها معرفة شاملة بحقائق المجتمع الذي يمضي إليه البشر، مجتمع المعلومات
المسطرة الكبرى
لقد سبق أن قلت هذا و كتبت عنه، على مدى ربع القرن الماضي، لكنّي أتوجّه به اليوم إلى جيل جديد، أكثر حاجة إليه من الأجيال السابقة .. خاصّة و نحن في أعقاب صحوة شعبية، حطمت جميع الخطوط الحمراء، و أذاقت البشر حلاوة القول الصريح، و النطق بما يعتمل في الصدر دون تردد أو خوف .. و أملي كبير في أن يساعد هذا الطرح العلمي على توجيه طاقة هذا الجيل الجديد إلى عمل بنّاء، يتجاوز بنا هوّة التخلّف التي تفصلنا عن الشعوب المتقدّمة
المسطرة الكبرى، تتضمّن مؤشرات التحوّل من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات، أي أنها تحدد طبيعة الحياة الجديدة التي يمضي إليها البشر . لذلك يجب أن تكون هذه المسطرة هاديا لنا عند التصدّي لرسم استراتيجياتنا في أي مجال من مجالات الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، و هذه المسطرة لا يمكن أن يتجاهلها أي برنامج إصلاحي لأي حزب أو جماعة أو هيئة تستهدف الانتقال بمصر من وضعها المتخلّف الحالي، و اللحـاق بركب الدول المتقدمة، التي قطعت شوطا في العبور إلى المستقبل .. إلى الحياة في مجتمع المعلومات
في هذا المقال سأطرح مؤشرات التغيّر الأساسية، التي تحكم انتقال البشر إلى عصر المعلومات .. و سأطرحها بتركيز شديد، حتّى يتضح للقارئ بسهولة طبيعة و نوع الهدف الذي يجب أن نسعى إليه، و نحن نخطط لعمليات إعادة البناء الشامل التي نحتاجها .. و لا نحتاج لأقلّ منها
بعد أن ننتهي من ذلك سنكتشف الهوّة الواسعة بين ما نطرحه، و ما تطرحه الحياة السياسية المصرية حاليا، كوسيلة للإصلاح السياسي .. و سنعرف سرّ الفشل المتكرر الذي صادفه الحزب الوطني على مدى عقوده الثلاثة، لانقطاع الصلة بين ما نطرحه و ما يدعو إليه كبرامج شكلية، لا تنجح في إخفاء الرابط الحقيقي الذي يجمع حوله الأنصار : النفعية و الانتهازية و تبادل المصالح
مؤشرات التغيير الكبرى
أهم مؤشرات الانتقال من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات، هي أننا نتحوّل
( 1 ) من سيادة العمل العضلي إلى سيادة العمل العقلي و المعرفي .
( 2 ) من نمطية البشر و محاولة قولبتهم إلى تشجيع التنوّع و التباين بين الأفراد .
( 3 ) من المركزية و اعتماد الهرم البيروقراطي، إلى اللامركزية و اعتماد التنظيمات الشبكية .
( 4 ) من التزامن المحكم، إلى الزمن المرن .
( 5 ) من الاقتصاد القومي، إلى الاقتصاد العالمي .
( 6 ) من التخطيط قصير المدى، إلى الرؤية المستقبلية .
( 7 ) من ديموقراطية التمثيل النيابي، إلى ديموقراطية المشاركة .
( 8 ) من التعليم القائم على التلقين النمطي، إلى التعليم الشخصي و الذاتي و القائم على الابتكار .
( 9 ) من الاعتماد على المؤسسات، إلى الاعتماد على الذات .
( 10 ) من عشق الضخامة، إلى الصغير الأنفع و الأجمل .
( 11 ) انقضاء عمليات الانفصال التي فرضها الاقتصاد الصناعي، بين المنتج و المستهلك، و بين العامل و صاحب العمل، و بين المدخر و المستثمر، و أخيرا بين الإنسان و الطبيعة
( 12 ) من الملكية الخاصّة، إلى الحيازة
من الصناعة إلى المعلومات
بديهي، أن جميع هذه التحوّلات، و غيرها ممّا لم يتّسع له المجال، هي نتاج التحوّل الرئيسي من مجتمع الصناعة إلى مجتمع المعلومات
و هناك ملاحظة هامة، أكررها كثيرا على سبيل الاحتياط، هي أن هذه التحولات ليست أحلاما أو أماني، لكنّها النتيجة الطبيعية لانتقال البشر من عصر لآخر ، و بشكل أدقّ الانتقال من الاعتماد على تكنولوجيا ابتكارية كبرى قامت عليها حياة البشر طوال عصر الصناعة، هي الآلة البخارية و ما تطوّر عنها من تكنولوجيا كهروميكانيكية.. إلى تكنولوجيا ابتكارية كبرى جديدة، هي الكمبيوتر و التحكّم الرقمي و أقمار الاتصال، تقوم عليها حياة البشر في عصر المعلومات
و هناك ملاحظة هامة، أكررها كثيرا على سبيل الاحتياط، هي أن هذه التحولات ليست أحلاما أو أماني، لكنّها النتيجة الطبيعية لانتقال البشر من عصر لآخر ، و بشكل أدقّ الانتقال من الاعتماد على تكنولوجيا ابتكارية كبرى قامت عليها حياة البشر طوال عصر الصناعة، هي الآلة البخارية و ما تطوّر عنها من تكنولوجيا كهروميكانيكية.. إلى تكنولوجيا ابتكارية كبرى جديدة، هي الكمبيوتر و التحكّم الرقمي و أقمار الاتصال، تقوم عليها حياة البشر في عصر المعلومات
الفرق بين الإصلاح و إعادة البناء
حتّى نفهم بوضوح المحنة التي نحن في وسطها، علينا أن نفرّق بين اصطلاحين " الإصلاح " و " إعادة البناء" .. أو نعي المعني الحقيقي لكلمة ( ريفورم ) الإنجليزية، و التي تعني حرفيا إعادة التشكيل أو البناء، و نترجمها نحن إلى كلمة : إصلاح
الإصلاح، يعني إعادة الشيء إلى أصله .. عندما يتلف شيء في السيارة، و يتعطّل عملها، يستبدل الميكانيكي الجزء التالف بجزء مثيل سليم، فتعود السيارة إلى عملها كما في السابق .. و هذا هو الحد الأقصى لأحلام و أماني و برامج الحزب الوطني، و خطط أمانة سياساته، و كذلك برامج باقي الأحزاب و الجماعات الجديدة التي انبثقت من الآمال القصيرة للمرحلة الأخيرة، و الإصلاح هو غاية أحلام معظم المفكرين و الكتاب الذين ينتقدون الأوضاع الحالية .. الكل يريد العودة بالحال إلى ما كان عليه من عقد أو خمسة عقود .. أو قرن من الزمان كما في أحلام الماركسيين .. أو 14 قرنا كما في حال الإخوان المسلمين
..الخطأ الأكبر
و هذا هو الخطأ الأكبر الذي يقضي على أي أمل في مستقبل معقول لمصرـ و هذه هي نتيجة القصور في تفكير معظم المفكرين الإصلاحيين في مصر، الذين لا يدركون أن الجنس البشري، في كل مكان من العالم و بلا استثناء، يخضع لنظم حياة جديدة، تختلف اختلافا كبيرا عن النظم التي يعتبرها المصلحون هدفا لهم، بل و تتناقض معها في معظم الأحيان ـ و الجريمة الكبرى هي أن ننكر ضرورة و حتمية التصدّي لعمليات إعادة البناء الكاملة، و فق رؤية مستقبلية شاملة، تستوعب واقع مجتمع المعلومات، و طبيعة الخريطة الحضارية الحالية لمصر .. و أن نضيع لوقت في محاولة العودة إلى الوراء، في الوقت الذي يتقدّم فيه البشر بشكل متسارع، كل سنة، بل كل شهر و كل يوم
و قد طرحت جانبا من مؤشرات التغيير التي تنقلنا إلى مجتمع المعلومات، حتّى أوضّح كم نحن في عزلة فكرية عن التطوّر الذي يسود العالم، و كم هو ساذج ذلك البرنامج الذي أعلنه الرئيس مبارك في حملة انتخاب الرئاسة .. و مصدر السذاجة هو تصوّر أن مستقبل مصر سيقف عند حد نهاية حكم الرئيس مبارك
و أعلم أن كلامي هذا ثقيل الوقع على نفوس كافة النشطين في حياتنا السياسية .. لكنني أصرّ على ترديده، لأنّه الحقيقة التي أرجو ألاّ نبدأ في فهمها بعد تكون الفرص قد تبددت
No comments:
Post a Comment