عالم اليوم – يناير2005 ـ راجي عنايت
من 2004 إلى 2009
! يا قلبي لا تحزن
هذا المقال نشر في نهاية عام 2004
استعراضا لحصاده، و استشرافا لعام 2005
! و ما أشبه الليلة بالبارحة
ما هو الحصاد الحقيقي لعام 2004 ؟ .. رغم أن تعبير " حصاد " قد يرفضه البعض، نتيجة لما يوحي به من إيجابية ما تحقّق في 2004، فأنا أقبـله، و أقبل ما فيه من إيحاء، فالذي حـدث في عام 2004 ـ بكل ما تضمّنه من حروب و خراب و دسائس و فواجع ـ يعتبر من الأمور الإيجابية، لأنّه يضعنا وجها لوجه مع حقيقة أوضاعنا، و أوضاع العالم من حولنا .. و المواجهة الصادقة ـ بكل آلامها ـ هي الخطوة الأولى نحو إعادة التفكير، و تصحيح المسارات
سأحاول فيما يلي تطبيق ذلك على الأوضاع العالمية، و العربية، و المصرية
في الأوضاع العالمية
أولا : انكشاف الأهداف الأمريكية
من أهم الإنجازات، انكشاف الأهداف الحقيقية للإدارة الأمريكية، أمام الشعب الأمريكي و باقي شعوب العالم، و عدم اقتصار ذلك على النخبة من المفكّرين . و يرجع الفضل في ذلك إلى كتيبة الرجعيين الجدد، بأغلبيتها اليهودية، و بتبعيتها ـ أو عبوديتها ـ لرؤوس أموال السلاح و البترول و المقاولات في الولايات المتحدة . لقد ساعدت منشورات ما يطلق عليه المحافظين الجدد، أو رابطة المسيحية الصهيونية، في كشف سوء نيّة الإدارة الأمريكية بالنسبة لشعوب العالم جميعا، بما في ذلك أصدقاء و حلفاء أمريكا
ثانيا : الإحساس المرضي بالقوّة
الإحساس المرضي بالقوّة، الذي يعكسه موقف جورج بوش، و محاولة تهميش الأمم المتحدة، ساعد على تكافل العديد من الدول دفاعا عنها، و ألحاق الهزائم المتعددة بخطط بوش تجاهها . كما قاد انفراد الولايات المتحدة بقرارات الحرب و العدوان إلى تدعيم العلاقات الأوربية من ناحية، و خلق محاولات جديدة لدعم العلاقات في جبهة الصين ـ روسيا
ثالثا : بلير و التبعية الكلبية
خيبة الأمل المتكررة، التي لاحقت توني بلير، نتيجة لتبعيته الكلبية لبوش، أقنعت بريطانيا و باقي حلفاء الولايات المتحدة ـ كأسبانيا ـ بخطورة التحالف مع الإدارة الأمريكية التي بدت فاقدة لصوابها، و التضحية بالمكاسب المتوقّعة من ذلك التحالف، إبراء للذمّة و هربا من الانجراف إلى دوامة الفشل الأمريكي، التي تجلّت بشائرها
رابعا : إنحسار نفوذ جبهة الرجعية الجديدة
لقد بدأ انحسار تكتّل جبهة الرجعية الجديدة، نتيجة لإحساس الحكّام الحقيقيين للولايات المتحدة، من كبار صناع السلاح، و تجار النفط، و أباطرة المقاولات، بضروب الفشل المتكررة التي نتجت عن السير خلف استراتيجياتها، و باحتمال انهيار النظام " البلوتوقرطي " الذي يتحكّمون بفضله في مقدّرات الشعب الأمريكي
خامسا : تناحر القيادات الفكرية للمحافظين الجدد
كما بدأ انسحاب عناصر الفكر من جبهة المحافظين الجدد، و كان أوّل المنسحبين هو واحد من أشهر منظّريها، هو فرانسيس فوكوياما صاحب الكتاب الشهير " نهاية التاريخ " . ظهر هذا من المعركة المحتدمة الدائرة بينه و بين قطب كبير من المحافظين الجدد هو تشارلز كراوتهامر، و التي ثارت بعد إعلان فوكوياما معارضته لحرب العراق، و عزمه على عدم انتخاب بوش للرئاسة الثانية
سادسا : صحوة الإنترنيت
رغم الكوردون المحكم الذي نصبه الحكّام الحقيقيين لأمريكا ( كبار الأثرياء ) لعقول أبناء الشعب الأمريكي، متمثلا في فوكس بكل نشاطاتها الإعلامية، و محطة ( سي إن إن ) الشهيرة بمغالطاتها، و آلاف البرامج التلفزيونية و الأفلام و المسرحيات و الكتب التي يمتلكها هؤلاء الحكّام، و التي تستهدف بكلّ قوّتها غسل مخ الشعب الأمريكي .. رغم كل ذلك، فقد بدأت صحوة حقيقية في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق الإنترنيت . و رغم حرص الإدارة الأمريكية على الإقلال من تأثير هذا القادم الجديد، و زعم ضعف تأثيره، فقد كشفت قياسات الرأي العام في أمريكا، أن قدرة الإنترنيت، قد تجاوزت قدرة الجبهة الرجعية، من ناحية كسب الجمهور الأمريكي في كثير من الشئون
سابعا : انقلاب بوش على نفسه
رغم ما يبديه بوش من المزيد من عناد التيوس، سواء في محاولاته لتغيير طاقم الولاية الثانية، أو في تمسّكه غير المبرر برامسفيلد رغم سقطاته المتكررة، و إصراره على أكاذيبه بخصوص الأوضاع العراقية، و بن لادن و الزرقاوي و باقي المخترعات الاستخبارية الأمريكية .. رغم ذلك كلّه فالأغلب أن يضطر بوش ـ فيما بقي من ولايته الثانية ـ إلى القيام بانقلاب على نفسه و سياسته و معاونيه، نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية في الولايات المتحدة، ذلك التدهور الذي نتج عن سحب تمويل التعليم و الخدمة الصحية و الاجتماعية لحساب ميزانيات السلاح و مغامرات تجار البترول، و نتيجة للعجز غير المسبوق في الميزانية الأمريكية
في الأوضاع العربية
أولا : سقوط أوراق توت الأنظمة العربية
الأحداث العالمية لعام 2004، أسقطت أوراق التوت عن عورات جميع الأنظمة العربية، بلا اسـتثناء . لقد تجلّت سوءات هذه الأنظمة ـ بشكل غير مسبوق ـ لمن بقي في غفلته من أبناء الشعب العربي . انكشفت الأكاذيب التاريخية التي يستتر بها الرؤساء و الملوك و الأمراء .. و المضحك المبكي في هذا الأمر، أن الذي قام بهذا الكشف لم يكن الشعب العربي و لا النخبة العربية و أهل الفكر من العرب، و لكنه كان الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت ـ و ما تزال ـ الحامية و الراعية لمعظم هذه الأنظمة العربية، و الواقفة معها في وجه شعوبها
ثانيا : الديموقراطية أولوية أمريكية متأخّرة
رغم ترديد أمريكا لمطلب الديموقراطية، فالأوراق الرسمية لاستراتيجية الولايات المتحدة تفيد أنّها تترك هذا لقادة الدول العربية، يقومون به بما لا يهدد وجودهم الضروري لأمريكا . كما أن موضوع الديموقراطية جاء في الأهمية السادسة بعد المطامع الأمريكية الحقيقية
ثالثا : مهزلة منتدى الشرق الأوسط
و كانت مهزلة " منتدى مستقبل الشرق الأوسط الكبير " خير دليل على أكاذيب و ادعاءات الولايات المتحدة، و التي يعشقها الحكّام العرب . من واقع دراسات البنتاجون، تنحصر المصالح الأمريكية في محاربة الإرهاب الذي تصدّره الدول العربية و الإسلامية، ثم مواجهة أسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن يستخدمها، و يحرم إسرائيل من الانفراد بها، ثم ضمان إمدادات البترول مع استقرار أسعاره مع التأكيد على المستقبل الباهر للبترول العراقي لو أدارته الاستثمارات الأمريكية، ثم ضمان استقرار الأنظمة الصديقة، و المعتدلة المستعدة للدخول في الأجندة الأمريكية ( ومصر منها)، ثم تأكيد أمن إسرائيل.. و أخيرا، و في نهاية القائمة تأتي مسألة الديموقراطية و حقوق الإنسان بشكل متواضع، فتقول الدراسة أن المسئولين الأمريكيين قد مالوا إلى الموافقة على مطالب المسئولين في النظم العربية، بأن تقلّل أمريكا من دعوتها للديموقراطية، و تحد من اتصالاتها بأولئك الذين يعملون ضد تلك الأنظمة
رابعا : التنافس بين الحكّام العرب على الحظوة الأمريكية
كان من الطبيعي أن تكون النتيجة المباشرة لهذه الخطوة هي الخلافات التي بدأت تحتدم بين الحكّام العرب، و الاتهامات النائمة التي أفاقت من رقادها، و التنافس الشرعي على نول الحظوة عند سيد العالم ( و في هذا فليتنافس المتنافسون ! ) . المطمئن في الموضوع، أن هذه المشاحنات لن تقود إلى اشتباك عسكري أو حرب لسبب أساسي، لأنّه ليس في مصلحة أمريكا
في أوضاع مصر المحروسة
أولا : الإصبع الأمريكي، و الخطوط الحمراء
هذا الفوران الذي أحدثه الإصبع الأمريكي في عمق المنطقة العربية، انعكس ـ من ناحية ـ على شكل خطوات شجاعة من جانب النظام الحاكم المصري في سبيل التطبيع مع إسرائيل، و لإظهار العواطف الإيجابية نحوها ( على طريقة : أحبّك و أحبّ اللي يحبّك ! ) . و انعكس من ناحية أخرى على شكل انهيار في الخطوط الحمراء التي حرص النظام دائما على التمسّك بها، فبدأ الشعب يرفع صوته في أمور كتعديل الدستور، و رفض ولاية جديدة للرئيس، و موضوع توريث الحكم .. و رغم جهود حرس النظام في ملاحقة هذه الظاهرة المزعجة، فالنظام معرّض ـ مستقبلا ـ لتصعيد هذا الوضع، و خاصة بين من صدّق دعوة الديموقراطية الأمريكية، و أساء تفسير هدف الضغوط الأمريكية على النظام
ثانيا : البحث عن حلول جزئية
أيا كانت نتيجة هذا الصدام، فالثابت أن مصر لن تجد ـ في المستقبل القريب ـ النخبة القادرة على قيادتها في طريق التقدّم الحقيقي المتكامل نحو مجتمع المعلومات . و من ثمّ، فستظل مصر تبحث عن حلول جزئية وقتية لمشاكلها، من خلال السعي الفردي لأصحاب رؤوس الأموال و المغامرين نحو التنسيق مع أمريكا و إسرائيل، و مع القوى النظيرة في العالم العربي التي ستلعب نفس الدور في مجتمعاتها
ثالثا : بطالة مستفحلة و تعليم و صحة أكثر تدهورا
أصحاب رؤوس الأموال و المغامرون سيتضاعف وجودهم في الحكومة، و سيحاولون التخفيف عن المواطن المصري، و حمايته بعض الشيء من جنون تصاعد الأسعار مع انخفاض قيمة الجنيه المصري، لكنّهم ـ شأنهم شأن الحكّام الحاليين ـ لن ينجحوا في إصلاح الأوضـاع الاقتصادية والاجتماعية و السياسية، بالنسبة لقضايا البطالة المستفحلة، و الوضع التعليمي المتدهور، و الرعاية الصحية التي تكاد أن تكون غائبة
رابعا : غياب الرؤية المستقبلية لمصر
مرجع هذا إلى غياب أمرين أساسيين : (1) فهم طبيعة مجتمع المعلومات الآتي، (2) فهم حقيقة الأرض التي تقف عليها مصر بشكل صادق أمين . و هما السبيل إلى وضع رؤية مستقبلية مصرية متكاملة، تنبع منها الاستراتيجيات و الخطط الخاصّة بإعادة البناء، و ليس الإصلاح
أستاذى العزيز راجى عنايت
ReplyDeleteتحية طيبة
أنا أحب القراءة لك لأنى أستفيد منها و أتعلم و أظن أن المتعلم لا يستطيع التعليق على المعلم، فاستمر فى افادتنا و أنا سأستمر فى المتابعة و التعلم
و لك منى كل الشكر