Thursday, March 11, 2010

الرأسمالية في أعقاب الاشتراكية

عالم اليوم ـ عام2004 ـ راجي عنايت

.. الذي يحدث هو
..! صحوة الموت للرجعية الرأسمالية


كتبت هذا عام 2004 قبل أن تتجمّع رياح
العاصفة الاقتصادية التي تجتاح العالم اليوم
ألم يحن الوقت لأن نتوقّف عن التناول السطحي
و نعتمد على الرؤية الشاملة للمسـتقبل

عندما انهار النظام الاشتراكي، حلا للبعض أن يتصور ذلك انتصـارا نهائيا للنظام الرأسمالي، فكتبت في ذلك الحين أقول أن الاشتراكية و الرأسمالية، هما وجهان لعملة واحدة، هي المجتمع الصناعي .. بمعنى أن النظام الاقتصادي الرأسمالي، و النظام الاقتصادي الاشتراكي، هما طريقتـان مختلفتان للتعامل مع واقع المجتمع الصناعي
لم أكن أتوقّع أن يقنع هذا أحدا من دعاة الاقتصاد الرأسمالي، و هم المنتصرون الفرحون بهزيمة النظام الاشتراكي . و لعل الكوارث التي تلحق بالبشر نتيجة الغرور الذي أصاب الرجعية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، أن تكون مؤشّرا على قرب انهيار النظام الاقتصادي الرأسمالي، و صحوة الموت للرجعية الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، و في غيرها من البلاد
لا أقول هذا على سبيل التفاؤل الكاذب، و لكن لأن تطوّر المجتمع الأمريكي نفسه، و اقترابه ـ أكثر من أي مجتمع آخر ـ من مقتضيات مجتمع المعلومات، هو الذي سيحدث في المستقبل القريب الهزة التي ستضع نهاية لاحتمال الاعتماد على اقتصاد لا ينسجم مع احتياجات مجتمع المعلومات . هذه الهزّة الناجمة عن افتقاد التوازن في المجتمع الأمريكي، و التباين الشديد بين التطوّر العلمي و التكنولوجي في مجال المعلومات، و الاقتراب الملفت من النسق الإداري لمجتمع المعلومات، من ناحية، و بين التخلّف الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي، نتيجة لتمسّك عصابة الرجعية الجديدة بمكاسبها القريبة، و خضوعها للخطة الكبرى التي يرسمها يهود الرجعية الجديدة، الذين يشكّلون الأغلبية في هذه العصابة
و حتّى لا أتّهم بمعاداة السامية، أورد نقلا عن ( هاآرتز ) الإسرائيلية، ما كتبه فيها آري شافيت، في 11 فبراير : " الحرب في العراق كانت من تفكير 25 مثقفا من الرجعيين الجدد، معظمهم من اليهود، و هم الذين يدفعون بوش لتغيير مسار التاريخ (!!).." ـ هاآرتز

بطالة : تقليدية أم بنيوية

الذي يهمنا الآن، هو الحديث عن معدّل البطالة المتزايد في أمريكا، و ما يعد به بوش من قضاء عليها، لو أتيح له أن يفوز بولاية جديدة . و الحقيقة أن ما يشكو منه المجتمع الأمريكي، تشكو منه جميع المجتمعات المتطوّرة صناعيا، في الشرق و الغرب، و يصبح الموضوع الأهم في جميع عمليات الانتخاب التي تجري حاليا في معظم دول العالم، لأن المشكلة تمس المجتمع البشري بأجمعه
لكي نفهم أبعاد هذه المشكلة، علينا أن نفرّق بين نوعين من البطالة
أولا : البطالة التقليدية، التي عرفها العالم الصناعي، و كانت له طرقه في مواجهتها
و ثانيا : البطالة البنيوية، التي لم يعرفها مجال العمل قبل بدايات عصر المعلومات
البطالة التقليدية، تحدث دون تحوّل جذري في النظام المجتمعي للدولة، أي عندما تكون أسس المجتمع و مبادئه قائمة كما هي، دون تغيير . و هي تنتج عن سوء التخطيط، أو لظروف خارجية لم تكن متوقّعة، كما هو الحال في جميع الدول النامية، و في بعض الدول الصناعية، عندما يغيب التخطيط السليم، الذي يحقّق التوازن بين فرص العمل المتاحة و الأعداد الداخلة إلى مجال العمل
و قد كان الحل يتراوح بين إعادة الحسابات في مجال العمل، و سياسات التعليم، و بين ضخّ دفعات من الأموال في السوق، لنشوء أعمال جديدة، تفتح فرص عمل جديد للمتعطلين . هذا، بالإضافة إلى حلول متواضعة لفرض تعويضات للبطالة
كانت هذه الحلول تقود إلى تخفيف أزمة البطالة في معظم الأحيان، و كانت طبيعة العمل تسمح بمساومة العامل، لقبول أجر أقل، ممّا يزيد طاقة التشغيل

.. بطالة لم تجد حلا
ّ
أمّا ما نطلق عليه البطالة البنيوية، فهو نوع مختلف من البطالة، تعاني منه الدول المتقدمة صناعيا أكثر من الدول النامية، و هو ناتج عن التحوّلات الجذرية التي طرأت على البشر، بالدخول إلى مجتمـع المعلومات . هذه هي البطالة التي لم يصل أقطاب الاقتصاد الرأسمالي إلى حلّ لها حتّى الآن . و هي التي تدور حولها دعايات الناخبين، في العمليات الانتخابية التي يدور رحاها في أنحاء العالم من شرقه إلى غربه، دون أن تحمل هذه الدعايات حلاّ لمشكلتها
السرّ في بقاء المشكلة بلا حل، هو عدم اعتراف القوى الاقتصادية المسيطرة على دول العالم بجذرية التحوّل الذي يحدث في الأسس المجتمعية، و يقود إلى نوع جديد من الحياة، يختلف عن الحياة التي عرفناها و عرفوها على مدى ما يزيد عن قرنين من الزمان . أي عدم الاعتراف بعدم قدرة الاقتصاد الرأسمالي، أو الاشتراكي، على التعامل مع الواقع الاقتصادي الجديد لمجتمع المعلومات، و عدم إقراره بضرورة البحث عن البنية الاقتصادية الجديدة التي تنسجم مع احتياجات مجتمع المعلومات
كل الأحزاب تورد في حملاتها الانتخابية وعدا بحل مشكلة البطالة، و عندما تصل إلى الحكم، يتبخّر ذلك الوعد، إلى أن يحين موعد الانتخابات التالية، و تتكرر الوعود دون إنجاز ما . و هذا هو ما فعله بوش الابن في حملته الانتخابية
و ما يفعله منافسه الديموقراطي هذه الأيام ..و تظل معدّلات البطالة في ارتفاع، طالما بقى التناقض الكبير بين سياسات احتكارات النفط و السلاح و بين واقع التحوّل الذي ينكرونه

مواجهة البطالة البنيوية

لكن، كيف يمكن أن يخرج العالم من هذه المحنة ؟ . هل هناك وسيلة ما لمواجهة هذه البطالة البنيوية ؟
الإجابة ـ ببساطة ـ تبدأ من الاعتراف بأنّنا نمضي نحو مجتمع جديد، يقوم على أسس و مبادئ جديدة، غير تلك التي قام عليها المجتمع الصناعي . الاعتراف بأن الاقتصاد و الطاقة و الإدارة و التعليم و العلوم و الممارسة السياسية و القيم و الثقافـات الخاصة بمجتمع المعلومات تختلف عن نظيراتها في مجتمع الصناعة .. بالضبط كما اختلفت في عصر الصناعة عن نظيراتها في عصر الزراعة
و من البديهي أنني لا أملك الحل الشافي لهذه المشكلة، لكن الآراء المطروحة لمواجهة البطالة البنيوية تركّز على ضرورة إعادة التأهيل و التدريب للقوى العاملة حتّى تكون قادرة على ممارسة العمل المعرفي . الغريب في الأمر، أنّه في الوقت الذي يتزايد فيه عدد الذين يفقدون أعمالهم، يشكو أصحاب الصناعات الجديدة المتطوّرة تكنولوجيا من نقص العمالة التي يحتاجونها ! .. لهذا، يغلب أن يكون الحل في التدريب و إعادة التدريب، لتحويل العمالة من عمالة عضلية إلى عمالة عقلية
و من البديهي، أن دخول الروبوت و الإدارة الرقمية إلى مجال العمل، يجعل فرص تشغيل العمال، حتّى أولئك الذين جرى تأهيلهم و تدريبهم، فرصا ضعيفة . و من هنا، وجب استثمار الأعداد الفائضة في مجالات العمل الجديدة التي صاحبت مجتمع المعلومات، و من أهمّها مجال التدريب و التأهيل ذاته ! . كما أن فتح الباب لأشكال جديدة من العمل يمكن أن يساهم في حل المشكلة، مثل المشروعات الصغيرة و العائلية، ثم الإنتاج من أجل الاستهلاك الشخصي، الذي أصبح يشكّل قطاعا معترف به في اقتصاد مجتمع المعلومات
أضف إلى هذا كلّه، ما يشغل أذهان المفكرين المستقبليين، من إعادة النظر في أشياء لا يدور التفكير حولها، مثل إعادة النظر في عدد ساعات و أيام العمل التي يجب على الفرد أن يعملها، باعتبار أن المعايير الحالية ليست مقدسة، و باعتبار أن العمالة العقلية المعرفية تستحق ساعات عمل أقل، و أيام عطلة أكبر، حتّى تستمتع بحياتها، و حتى يكون ابتكارها أقوى و أكثر فائدة للمجتمع

* * *

لا أظنّ أن أقطاب الرجـعية الجديدة، التي تحكم الولايات المتحدة، يطيقون مثل هذه الأفكار التي نطرحها، و هنا يكمن التفاؤل من خلال سيناريو الكارثة .. فالرفض يعني المزيد من البطالة والمشاكل و التناقضات، و يكون السقوط النهائي للاقتصاد الرأسمالي، بمثل ما حدث للاقتصاد الاشتراكي .. و اقرأ الموضوع من بدايته

No comments:

Post a Comment