Monday, March 15, 2010

انقضاء حلم الوحدة الاندماجية

نهضة مصر ـ عام 2004 ـ راجي عنايت

جامعة للشعوب العربية
بدلا من جامعة الحكّام العرب
سيادة الديموقراطية شرط معاصر لوحدة الشعوب

الأحلام و الأماني، كما قلت من قبل، لا تتحقّق إلاّ إذا كانت تشكّل منفعة اقتصادية للمجتمع . و قد وضّحت كيف كان الانتقال إلى أسس مجتمعية جديدة في بدايات عصر الصناعة، سببا لإنهاء العبودية و الرقّ في العالم . و كيف يمكن أن يكون الانتقال إلى الأسس المجتمعية الجديدة لمجتمع المعلومات سبيلا لنيل المرأة حقوقها غير منقوصة، لأوّل مرّة في تاريخ البشر
و بنفس المنطلق، دعونا نتأمّل مصير حلم الوحدة العربية الاندماجية، الذي مازال يراود خيال البعض، كلّما شعروا بالضعف و المهانة، و قسوة الطغيان الإسرائيلي الأمريكي
هناك أكثر من سبب لاستحالة تحقيق الوحدة الاندماجية بين الشعوب العربية . بعض هذه الأسباب تاريخي، يتّصل بالزمن الذي كان يمكن ـ بل يجب ـ فيه الدخول في وحدة اندماجية لفتح أبواب التقدّم الاقتصادي و السياسي . و البعض الآخر سياسي اجتماعي، يتّصل بالواقع الراهن للنظم العربية، و علاقتها بشعوبها . و هناك سبب أخير ينبع من عدم فهم طبيعة قيام الكيانات الأكبر في عصر المعلومات

بين بسمارك و عبد الناصر

الوحدات الاندماجية الكبرى التي شهدها العالم، تمّت في بدايات عصر الصناعة، كالوحدة الألمانية على يد بسمارك، و الإيطالية على يد غاريبالدي . فبعد شيوع تطبيقات الآلة البخارية، و التحوّل من إنتاج الحرفيين اليدوي، قطعة بقطعة، و وفقا لطلب المستهلك غالبا. إلى إنتاج الآلة التي تضخ مئات الآلاف من المنتجات النمطية في أقصر وقت . قاد هذا إلى اشتداد المنافسة، ممّا استوجب أن تتجمّع القدرات الاقتصادية المحدودة في كلّ أكبر، يكون قادرا على منافسة باقي الدول الصناعية، و على أن يحظى بنصيب أوفر من المستهلكين المنتشرين في أنحاء العالم، و فق قواعد السوق الجديدة التي قامت تلبية للوضع الجديد و دون الدخول، بتوسّع، في خصائص المجتمع الصناعي، نقول أن قيامه على مبادئ النمطية، و المركزية، و التركيز، جعل من الطبيعي دخول الوحدات اصغر مندمجة في كلّ أكبر . و هذا هو الذي ساعد على قيام الدول الصناعية الكبرى، من اليابان و حتّى أمريكا
لقد كان الاستعمار عنصرا أصيلا من عناصر عصر الصناعة، و أداة أخرى من أدوات رفع القدرة التنافسية لدى الدول الصناعية . و شاء واقعنا الحضاري في العالم العربي أن نكون في جانب الدول الخاضعة لاستعمار الدول الصناعية الكبرى، نوفّر لها المواد الخام و الوقود و الأسواق و الأيدي العاملة الرخيصة .. و في نفس الوقت نتنازل لها عن إرادتنا، على مدى ما يقرب من قرنين . و لم يبدأ تغيّر هذا الوضع، إلاّ مع اهتزاز قواعد عصر الصناعة، مع قيام ثورة المعلومات، بعد منتصف القرن العشرين
في هذا التوقيت بالذات، ظهر عبد الناصر ليبشّر بالوحدة العربية، بعد انتهاء عصر الوحدة الاندماجية، و قيام الكيانات الأكبر على أسس أخرى، نابعة من طبيعة و احتياجات عصر المعلومات

أوروبا و التنظيم الشبكي

و لعل تجربة الوحدة الأوروبية أن تكون خير مثال لطبيعة الارتباط بين الدول في كيان أكبر، على أساس التنظيم الشبكي، الذي يعتبر البديل المعلوماتي لمركزية عصر الصناعة . التنظيم الشبكي، يضم عدّة جهات، أو دول، أو أفراد، و يقوم على أساس المنفعة المتبادلة بين الأطراف، و يكون من حقّ أي عنصر فيه أن ينسحب إذا وجد أنّه لا يستفيد من هذا الارتباط
و تجربة الوحدة الأوروبية تنجح كلّما اقتربت من التنظيم الشبكي، و كلّما اقترب فهم الدول الداخلة فيها من فهم أصول و خصائص التنظيم الشبكي . لهذا، تواجه الوحدة الأوروبية مشاكل لا تنتهي نتيجة تفاوت هذا الفهم بين الدول الداخلة فيها . و هذا هو سرّ المشاكل الأخيرة القائمة على صلاحيات التصويت، و اعتراض بعض الدول الأصغر على رغبة الدول الأكبر في أن يكون لها أكثر من صوت، ممّا يمكن أن يقترب من صلاحيات الفيتو التي نشهدها في مجلس الأمن

غياب التجانس السياسي و الاقتصادي

دخول الدول الأوربية إلى الاتحاد الأوروبي، يشترط تحقّق حد أدنى من التوازن الاقتصادي، و الحياة الديموقراطية . و هذان شرطان ضروريان لقيام نظام متجانس على أساس شبكي . و نحن ـ بكل أمانة ـ نفتقد التجانس الاقتصادي بين الدول العربية
و الأكثر من هذا، هو غياب الحياة الديموقراطية الجادة في جميع الدول العربية على الإطلاق
الوحدة الأوروبية، تقوم بين الشعوب الأوروبية التي تمارس حياة ديموقراطية، قد لا تكون كاملة في كثير من الأحيان، لكنّها تلبّي كافة اشتراطات الممارسة الديموقراطية الفعلية، ممّا نفتقده في الدول العربية

كيف تقوم الوحدة بين مجموعة من الحكّام العرب ؟

و كيف تستمرّ هذه الوحدة، و نحن نرى الحكم في العالم العربي يتعرّض لمزاج و مطامع و أمراض هؤلاء الحكّام ؟! . حكّام ينقلب عليهم أبناؤهم، و حكّام يورّثون جمهورياتهم لأبنائهم، و حكّام مصابون بجنون العظمة يتحولون ـ رغم أنفهم و بإرادتهم أحيانا ـ إلى دمى في يد الدول الكبرى، كالولايات المتّحدة الأمريكية و بريطانيا . كيف يمكن أن تقوم وحدة بين هؤلاء الحكّام ؟

الخطوة الأولـــى

الخطوة الأولى، التي لا مناص منها، هي قيام ديموقراطيات فعلية في الدول العربية، و ليس مجرّد تمثيليات ديموقراطية . ديموقراطيات لا تشبه في شيء تلك الديموقراطيات الشكلية التي يريد أن يفرضها بوش علينا، كوسيلة لفرض إرادته، و تحقيق مخططاته الاستغلالية . ديموقراطيات، أفضل من الديموقراطية الأمريكية ذاتها، تقوم على المشاركة الفعلية للمواطنين في اتّخاذ القرارات التي تتصّل بصميم حياتهم، دون توكيل . و تقوم على تحوّل إلى النظام اللامركزي الذي يفرضه واقع مجتمع المعلومات، و الذي يتضمّن الهبوط بمعظم مسئولية اتّخاذ القرار، من القمّة إلى المستويات الأدنى، و حتّى القاعدة
كيف يتم هذا ؟، و ما الذي سيدفع الحكام العرب الحاليين إلى اتخاذ خطوات إيجابية، و إلى السماح بحدوث هذه التحوّلات الضرورية ؟ .. و هل يمكن أن نفكّر في جامعة للشعوب العربية، بدلا من جامعة الحكّام العرب ؟

No comments:

Post a Comment