عالم اليوم ـ 2005 ـ راجي عنايت
هل تفقد أمريكا سيطرتها عام 2020 ؟
.. مستقبل المصالح الأمريكية
بين القطار الصيني، و نموذج الحكم الأوروبي
بين القطار الصيني، و نموذج الحكم الأوروبي
هل تسقط أمريكا، و تتبدد قواها في المستقبل القريب، نتيجة للسياسات الخاطئة و المتناقضة التي وصلت إلى ذروتها في ظل رئاسة جورج دبليو بوش، و سيطرة عصابة المحافظين الجدد ؟ .. قبل أن يضحك أحدكم ساخرا، من حلم اليقظة هذا، أقول أن الإجابة على هذا السؤال تكفّل بها المجلس القومي الأمريكي للاستخبارات، في أحدث تقرير له تحت عنوان : مشروع 2020
صدر هذا التقرير، بعد سلسلة من التقارير الهامة، ضمن " برنامج التحليل الاستراتيجي للمجلس القومي الأمريكي للاستخبارات "، الذي يهتم بالبحث المنهجي للتنمية في الألفية الجديدة . و كان قد صدر بعد العامين الأولين من عمر ذلك المجلس تقرير : التوجّهات العالمية عام 2015 ، و هو مجموعة حوارات حول مستقبل الخبراء غير الحكوميين
خريطة المستقبل العالمي
مشروع 2020، يصدر ضمن الإطار الأوسع لمشروع " وضع خريطة للمستقبل العالمي " . و قد جاء في مقدمة المشروع أن هدف هذه المشروعات هو إمداد صانع السياسة الأمريكية برؤية للطريقة التي يمكن بها أن تتطور التنمية البشرية، معرّفة بالفرص، و التطورات السلبية المحتملة، التي قد تحتاج إلى تحرّك سياسي
لم يتم التفكير في هذه المشروعات في الأقبية السرية لأجهزة المخابرات الأمريكية، و لكن عن طريق استشارة خبراء من جميع أنحاء العالم، خلال سلسلة من المؤتمرات الإقليمية، للوصول إلى منظور عالمي حقيقي . و في مشروع 2020، جرى استخدام التكنولوجيات المعلوماتية و الأدوات التحليلية، التي لم تكن متاحة في المشروعات السابقة . لقد طرح المشروع دراسة لأربعة سيناريوهات تخيلية، تعطي تنوعا من الصور للعالم الذي تخوضه أمريكا في المستقبل . و هذه السيناريوهات هي
أولا ـ عام دافوس : و هو يصوّر كيف يمكن للنمو الاقتصادي العنيف الذي تقوده الصين و الهند، على مدى 15 سنة قادمة، أن يعيد تشكيل عملية العولمة، بإعطائها وجها غير غربي، و محدثة تغييرات في مجال التحركات السياسية أيضا
ثانيا ـ السلام الأمريكي : و هذا السيناريو ينظر في مدى إمكان استمرار سيطرة الولايات المتحدة، في ظل
التغيّرات الجذرية في ساحة السياسة العالمية، و التي تمهّد لنظام عالمي مختلف جديد
ثالثا ـ خلافة جديدة : هذا السيناريو يطرح نموذجا لحركة عالمية، وقودها سياسات الهوية الدينية الأصولية، يمكن أن تشكّل تحديا للقيم و التقاليد الغربية، باعتبارها أساس النظام العالمي
رابعا ـ حلقات الخوف : هذا السيناريو يعطي نموذجا لما يقود إليه تكاثر الاهتمام بمواجهة التدخّل، من التورّط في عمليات و إجراءات أمنية، اقتحامية و غير مقبولة شعبيا، لمنع عمليات هجوم مميتة، ممّا يقود إلى خلق جو شبيه بالجو المخيف الذي رسمه أورويل في روايته الشهيرة
عزل الولايات المتحدة
لفت هذا التقرير ، بعد نشره على موقع " المجلس القومي للاستخبارات الأمريكية "، انتباه الكتاب و المعلقين و الإعلاميين . و قد لفت نظري ما كتبه فريد كابلان في جريدة (سلايت ) تعليقا على هذا المشروع الذي يقول أنّه في هذا العالم الذي لا يبعد عنّا بأكثر من 15 سنة، يقول المشروع .. ستعمل القوى القادمة الجديدة، و التي لن تقتصر على الصين و الهند، بل ربما انضمت إليها البرازيل و أندونيسيا .. ستعمل جميعا على تسريع التآكل في القوّة الأمريكية " . و يضيف المشروع : أن هذا سيتم عن طريق اتباع استراتيجيات مرسومة لاستبعاد أو عزل الولايات المتحدة، من أجل إرغامنا أو إغراءنا بالعمل وفقا لقواعدهم
و يقول كابلان أن السياسة الأمريكية تشجّع ذلك التوجّه، مستندا إلى ما جاء في التقرير من أن" انشغال الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، يتناقض إلى حدّ بعيد مع مقتضيات الأمن، في معظم آسيا " . و التقرير يقول أنه مع اعترافه بأهمية الحرب على الإرهاب، فهو يعتبر أن السؤال المحوري بالنسبة لمستقبل قوّة أمريكا و نفوذها، هو ما إذا كان في مقدور صنّاع السياسات بها " أن يقدّموا للدول الآسيوية رؤية مقبولة للأمن الإقليمي، و نظاما ينافس ـ و ربما يتفوّق على ـ ذلك الذي تقدمه الصين ؟ " . إذا كانت الإجابة بالنفي، فإن " الولايات المتحدة تكون قد انفصلت عن ما هو في صميم مصلحة الولايات المتحدة " .و يقول كابلان : الحلفاء الآسيويون الحاليون، الأرجح أن يزداد احتمال التحاقهم بالقطار الصيني، ممّا يتيح للصين أن تخلق أمنها الإقليمي الخاص، مستبعدة الولايات المتحدة
الاتحاد الأوروبي كمنافس
و قد يصل الأمر بالنسبة لهذه القوى الجديدة، أن تبحث عن آخرين تحاكيهم، و في هذا قد يكون تطلّعها إلى أوروبا،، و بالتحديد الاتحاد الأوروبي، و ليس الولايات المتحدة، كنموذج للحكم العالمي و الإقليمي .
في هذا يقول تقرير المجلس القومي الأمريكي للاستخبارات " هذا التحوّل إلى العالم متعدد الأقطاب، لن يكون بلا آلام .. و هو سيضرب الطبقات المتوسطة في الدول المتطوّرة بصفة خاصّة "، و هو هنا يتحدّث عن تراجع أكبر في الوظائف و فرص العمل، و تناقص في تدفّق استثمارات رؤوس الأموال .. باختصار يتنبّأ المجلس بأن الوضع لن يقف عند حدّ إعادة تقييم لتوازن القوى العالمية، بل يمضي إلى إحداث خسـارة فـي الثروات و الدخول، و بشكل عام بأمن العالم . يعلّق كوبلان على هذا قائلا " هذه المؤشرات يجب أن تكون قد أصبحت واضحة لكل من يقرأ الصحف، فل يمرّ يوم دون قصّة جديدة، حول الكيفية التي نرهن بها مستقبلنا للبنك المركزي الصيني أو الياباني .." . ذلك لأن العجز في ميزانية الولايات المتحدة يقترب من نصف تريليون دولار، يجري تمويله عن طريق سندات الخزانة، كما أن العجز التجاري ـ و معظمه بسبب شراء السلع الصينية ـ يتجاوز الآن 3 تريليون دولار
و يطرح فريد كابلان مجموعة من المؤشرات الأمريكية السلبية، التي تنذر بالخطر
أولا :الصين تقتحم أيضا سوق التجارة في أمريكا اللاتينية، و أيضا سوق التعليم و الثقافة و السياحة
ثانيا : طلبة الهندسة الآسيويون الذين كانوا يتجهون إلى أمريكا للدراسة، استبدلوها بالصين
ثالثا : انخفضت قيمة الدولار بمقدار الثلث في السنتين الأخيرتين، و مع انخفاض سعر فائدة الدولار، بدأ المستثمرون في سوق العملة ـ بما في ذلك الذين كانوا يمولون العجز الأمريكي ـ في تنويع ممتلكاتهم
رابعا : بدأت البنوك المركزية في الصين و اليابان و روسيا و الشرق الأوسط، التخفف من الدولار، لحساب اليورو، مما يجعل وضع الدولار خطرا
أين نموذج الديموقراطية ؟
يتساءل كابلان : ما الذي فعلته إدارة بوش، لتغيير هذا المسار، أو على الأقل لاتّقاء اللطمة ؟ .. فبينما يزعم بوش في خطاب الولاية الثانية أنّ أمريكا تقدّم الحرّية للشعوب المقهورة في كل مكان، يفيد تقرير مجلس الاستخبارات القومي، بالنسبة لآسيا و دعاوى بوش للأخذ بالديموقراطية، أن القادة الحاليين و المستقبليين، يبدون اهتماما أكبر بتطوير ما هو محسوس بين أيديهم، باعتباره أكثر نماذج الحكم فعالية
إلى أن يقول الكاتب كابلان : إذا كان الرئيس يريد حقيقة أن ينشر الحرية و الديموقراطية في أنحاء كوكبنا فسيحتاج ـ بالإضافة إلى أشياء أخرى ـ أن يقدّم أمريكا باعتبارها نموذج الديموقراطية .. غير أن تقرير المخابرات الأمريكية يقول أن الذين ينظرون إلى أمريكا كنموذج لأي شيء يصبحون أقل فأقل .. لا يمكننا أن نسوّق الحرية، إذا لم نكن قادرين على تسويق أنفسنا
مصانع تفريخ الإرهاب
و في جريدة واشنطون بوست، كتبت دانا بريست عن مشروع 2020 قائلة " لقد حلّت العراق محل أفغانستان، كأرض تدريب للجيل التالي من الإرهابيين ( المتخصّصين ) " . و تقول اســتنادا على التقرير، أنّه عنـدما نصل إلى سنة 2020 ستخلف القاعدة جماعات أخرى من المتطرّفين المسلمين، و هي التي ستندمج مع الحركات الانفصالية المحلية.. الذي يجمع خبراء الإرهاب أنه يحدث فعلا، و يقول التقرير أن هذا النوع من الجماعات اللامركزية، دائمة التوالد و التشكّل، يكون كشفه و التغلّب عليه أكثر صعوبة
هذه هي الصورة الواقعية للولايات المتحدة حاليا .. انفصام رئيسي في النمو التكنولوجي و الاجتماعي، و مخاطر لا نهابة لها، بشهادة أكبر مجلس استخبارات أمريكي .. و قيادة مغيّبة، تمضي وفق مخطط عصابة المحافظين الجدد، الذي يعتبر هدفه الرئيسي مضاعفة أرباح كبار تجار السلاح و البترول و المقاولات .. و الدواء أيضا