عالم اليوم ـ عام 2005 ـ راجي عنايت
المؤسسة الاقتصادية في مجتمع المعلومات
: أهم عنصرين في المؤسسة الاقتصادية الجديدة هما
العمّال، و المستهلكون
نتيجة للأثر الكبير الذي تحدثه التغيّرات المجتمعية، المصاحبة لعصر المعلومات، في المجال التنظيمي للمؤسسة الاقتصادية، يمكننا أن نحصره في أربعة عناصر أساسية : توافق المؤسسة مع بيئتها الخارجية، و تبنّي هياكل تنظيمية جديدة، و إعادة النظر في العقائد التي حكمت المؤسسة في عصر الصناعة، ثم الاعتماد على التخطيط الاستراتيجي
أولا : توافق المؤسسة مع بيئتها الخارجية
بناء أي شركة أو مؤسسة يجب أن يكون مناسبا لبيئتها الخارجية، و ليس لبعد واحد من أبعاد هذه البيئة . العديد من رجال الأعمال و الاقتصاديين و المخططين يعتمدون في تعريفهم بيئة المؤسسة على الاصطلاحات الاقتصادية الضيقة .. بينما الأمر يجب أن يكون على غير ذلك . لا بد عند تعريف بيئة المؤسسة أن ندخل في الاعتبار تنوّعا واسعا من العوامل السياسية و الاجتماعية و الثقافية، و غير ذلك من العوامل التي اعتدنا تجاهلها . الذي يتصدّى لوضع استراتيجية المؤسّسة، عليه أن يرصد أفقا واسعا
ثانيا : تبنّي هياكل تنظيمية جديدة
لقد تغيّرت بيئة المؤسّسة بسرعة، و بشكل جذري، خلال العقود الماضية، بحيث أصبحت التصميمات و الهياكل التي تستهدف النجاح في البيئة الصناعية، تكاد أن تكون غير صالحة بالمرّة هذه الأيام . و لهذا، فعلى قادة العمل، أو أولئك الذين يضعون استراتيجيات المؤسّسة، أن يكتشفوا التصميمات و الهياكل التي مضى زمنها، و أن يسارعوا إلى تغييرها، قبل أن تقود إلى هدم المؤسّسة
ثالثا : عقائد أساسية جديدة
التغيّرات السابقة التي تحدّثنا عنها، تعني أن العديد من العقائد الأساسية حول المؤسّسة ـ تلك التي كانت قابلة للتطبيق و النجاح في الماضي ـ يجب أن يعاد امتحانها . باعتبار أن العقائد إذا فقدت صلاحيتها، قادت إلى توجيه السياسات التي تلتزم بها المؤسّسة إلى الطريق الخطأ
علينا أن نناقش اليوم انطباعاتنا الأساسية حول العديد من الأشياء : التوحيد القياسي، و النمطية، و اقتصاديات الضخامة، و التكامل الرأسي، و نوع حوافز العاملين، و مدى كفاءة الإنتاج و التوزيع على نطاق واسع، و حقيقة ما يفضّله الزبائن و يطلبونه أكثر من غيره، ثم طبيعة التسلسل الرئاسي لهرم السلطة الذي تبني عليه المؤسّسة نظمها
رابعا : نماذج تخطيط متعدّدة الأبعاد
لم يعد ممكنا أن نعتمد على المؤشّرات المعزولة، سواء كانت صغيرة أم كبيرة . ففي زمن التغيير السريع، يكون الاعتماد على التخطيط الاستراتيجي، القائم على استكشاف المؤشّرات الخطّية الأحادية خادعا بطبيعته . هذا بالإضافة إلى أن هذا القصور الذي يتّسم به الاعتماد على المؤشّرات الخطّية الأحادية المعزولة، يتضاعف إذا ما كانت المؤشّرات محصورة في نطاق العوامل الاقتصادية أو السكانية
الذي نحتاجه اليوم عند التصدّي للتخطيط، يتجاوز الاقتصار على مؤشّرات معزولة عن بعضها البعض، إلى الاعتماد على نماذج متعدّدة الأبعاد، يدخل في اعتبارها التأثيرات المتبادلة للقوى التكنولوجية و الاجتماعية و السياسية، و حتّى الثقافية، جنبا إلى جنب مع الاقتصاد
نماذج التنظيمات الإدارية
عندما نتكلّم عن مستقبل التنظيمات الإدارية، لا يجب أن نتصور حديثنا ينصبّ على شيء سيحدث في المستقبل .. فحقيقة الأمر أن عالم اليوم حافل بالتجارب التي تتم ـ شرقا و غربا ـ للبحث عن الهياكل الإدارية التي تتحقّق فيها الاشتراطات التي أوردناها، أكثر من غيرها، و التي تتمتّع بخاصية الاستجابة للتغيّرات، التي يفرضها عصر المعلومات . و من بين هذا الكثير
فريق العمل الصغير
أكثر بدائل النظام الإدارة المركزي البيروقراطي انتشارا هو نموذج فريق العمل الصغير، المرن، سريع الحركة، المتضمّن لجميع الكفاءات الضرورية المطلوبة . يشيع هذا النموذج في صناعات عصر الصناعة التقليدية، و في صناعات عصر المعلومات الجديدة، في نفس الوقت . تراه شائعا في مصانع السيارات بديترويت، و أيضا في شركات الإلكترونيات بوادي السليكون
لقد اكتشف خبراء الإدارة، أن الناس يحبّون العمل في الفريق الصغير المتكامل، و الذي يضمّ الخبرات الهندسية و الصناعية، و خبرات التسويق .. على رأسه مدير، أو قائد عمل، يتّصل مباشرة بالقيادة العامة للمؤسّسة، دون المرور على أي إدارات وسيطة
التنظيم البيولوجي
هذا التنظيم الإداري ابتكرته شركة منيسوتا للتعدين و الصناعة " ثري إم "، لمواجهة بيروقراطية الهيكل الإداري التقليدي . و هو يعتمد في جوهره على فريق العمل الصغير، و لكن كلّما راج منتج من منتجات إحدى فرق العمل الصغيرة هذه، انسلخ عن ذلك الفريق، فريق جديد يتخصّص في ذلك المنتج، على أن يواصل الفريق الأصلي مهماته الأصلية . و هذا يعني أن الفرق الصغيرة تتوالد بيولوجيا
نموذج الزمالة
في كثير من المؤسّسات، يترك الخبراء الحرفيون المتفوّقون مواقعهم، بهدف ترقيتهم إلى وظائف إدارية أعلى، تتضمّن المزيد من السلطة و النفوذ و المال و المزايا، بعيدا عن المجالات التي تفوّقوا فيها . و هذا، يحرم الخبير من عمل يحبّه، و يوجب على المؤسّسة أن تبحث لها عن بديل له، و يضاعف من وظائف الإدارة العليا التي لا تتصل مباشرة بالإنتاج
منذ أكثر من خمسين سنة، قامت شركة " آي بي إم "، باعتماد نظام الزمالة، الذي يتيح للمهندس ـ على سبيل المثال ـ أن يظلّ مهندسا، و مع ذلك يطّرد ارتفاع مرتبه، و تزيد سلطته في الشركة، و تتضاعف امتيازاته، دون انتزاعه من مجال تفوّقه، و تحميل الشركة أعباء إدارية لا تكون في مصلحتها
التنظيم الشبكي
و هذا النموذج يعتمد أيضا على فريق العمل الصغير، و يتزايد الأخذ به حاليا، بعد أن ظهرت إيجابياته، خاصّة بعد أن طبقته شركة جور و شركاه لصناعة النسيج
الموظّف في الشركة يطلق عليه اسم " الشريك "، و التعامل بين أي شريك وآخر يتم بشكل مباشر، و من خلال شبكة اتصالات أفقية و رأسية . أمّا القيادة، فتنبع بين " الشركاء " بشكل طبيعي، من خلال الصفات التي تتجسّد أثناء العمل . و كلّ شريك يختار المهمة التي يتصدّى لإنجازها، عملا بشعار " الأهداف يضعها أولئك الذين يكون عليهم تحقيقها " . أمّا مرتّب الشريك، فينمو وفقا لمدى إنجازه لأهدافه
مستقبل الإدارة
من واقع المؤشرات العامة للتحوّل إلى مجتمع المعلومات، يمكننا أن نستنبط أهم معالم مستقبل الإدارة
أولا: على كل مؤسسة أن تعيد اكتشاف نفسها، و وظيفتها و كيانها، و الوصول إلى رؤية مستقبلية خاصة بها
ثانيا : التحوّل من إنتاج السلع المادية إلى صناعة المعلومات و الخدمات، يشيع العمالة العقلية المبتكرة. و أهم عنصرين في المؤسسة الجديدة هما البشر : العاملون فيها، و المستهلكين لإنتاجها
ثالثا : صرف النظر عن التنظيم الهرمي البيروقراطي، و الانتقال إلى المجموعات الشبكية القاعدية المتكاملة، مع تقليص الإدارة الوسيطة بالاعتماد على الكمبيوتر . و هذا يتضمن انقضاء النمطية في ساعات العمل، و تنوّع ساعات و أماكن العمل بالنسبة للعاملين في المؤسّسة
رابعا : ضخامة المؤسّسة التي كانت السبيل إلى الكفاءة العالية، أصبحت الآن عائقا كبيرا، يدفعنا إلى المزيد من الاعتماد على فريق العمل الصغير
خامسا : نتيجة لتسارع المعلومات و المعارف، تغيّرت طبيعة العملية التعليمية، و أصبحت حياة الفرد فترات متعاقبة من التعليم و العمل و التدريب و إعادة التدريب . و هذا يضع على عاتق المؤسّسة الاقتصادية دورا أساسيا في عمليات التعليم و التدريب، ممّا يجعل المؤسّسة الاقتصادية، في المستقبل، تتضمّن من وسائل التعليم و التدريب، كما لو كانت لها جامعتها الخاصّة
No comments:
Post a Comment