Wednesday, April 28, 2010

انتماء مجتمع المعلومات

العالم اليوم ـ 2004 ـ راجي عنايــت

الانتمـاء .. في عصر المعلومات
الأقلّيات، هل تصبح الهمّ الأكبر في الحياة ؟

على مدى عشرة آلاف سنة، هي عمر عصر الزراعة، كان الفرد يولد في أسرة، و ضمن جماعة عرقية، و يعيش حياته كلّها في القرية التي ولد فيها، و كان ما يلتزم به من دين أو عقيدة يفرض عليه من والديه، و مجتمعه المحلي . و كانت معظم الانتمـاءات و الولاءات الأسـاسية تتحـدد عند الميلاد . كما أن هوية الجماعة كانت تظل عادة ثابتة خلال عمر الفرد كلّه .. و عندما اندفعت الثورة الصناعية عبر الأرض، تغيرت طبيعة انتساب الفرد إلى الجماعة بشكل كبير
و بدلا من انتماء الفرد لقبيلته، أو قريته، أصبح مطلوبا منه أن ينتمي إلى دولته . كما أن تقسيم العمل الجديد، الذي أخذ به عصر الصناعة، جعل الوعي الطبقي يضيف شكلا جديدا من أشكال الانتماء
و عندما مزّقت الثورة الصناعية وظيفة الأسرة، و أوكلت الكثير من مسئولياتها التقليدية إلى مؤسسات جديدة متخصصة، كالمدارس و المستشفيات و الملاجئ، قويت الروابط القومية، بينما أصبحت الروابط المحلية ضعيفة

مفهوم الأقلية في عصر المعلومات

و مع قيام ثورة المعلومات، و بدء تشكّل مجتمع المعلومات، تغيّرت طبيعة الانتماء، نتيجة لأمرين أساسيين هما
أوّلا : الاتّجاه نحو مزيد من التنوّع
ثانيا : التسارع الملحوظ في معدّلات التغيير الثقافي و الاجتماعي
ساعد تطوّر و انتشار تكنولوجيات المعلومات و الاتصالات على تحقيق المزيد من التنوّع و التباين بين الأفراد، و المزيد من المجتمعات المتباينة . و هذا يقود بالضرورة إلى تنوّع الانتماءات . و في هذا يقول المفكّر المستقبلي، و الناقد الاجتماعي، آلفن توفلر : الأمر لا يقف عند حد تشرذم الجسم السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، و غيرها من الدول ذات التكنولوجيا المتقدّمة، إلى المزيد من الأجزاء .. و لا أن تصبح سوق الاستهلاك أكثر تعبيرا عن حاجات الأفراد و الجماعات الأكثر تنوّعا .. و لا أن تنفصل العديد من الثقافات الفرعية عن القيم السائدة للأغلبية .. بل إن الأمر سيتجاوز هذا كلّه، إلى أن تعمل نفس عملية الطرد المركزي هذه داخل الأقليات نفسها . التجمّعات الفرعية في كلّ مجتمع، سواء كانت عنصرية أو عرقية أو دينية، ستنقسم هي أيضا على نفسها، إلى مجتمعات أصغر و أكثر تنوّعا، تكون أكثر تعبيرا عن هويّة الأفراد بطريقة أكثر فعالية .. لم يعد عمليا أن نتحدّث عن السود في أمريكا كجماعة متجانسة، أو عن المهاجرين من أمريكا اللاتينية ككيان واحد
و حقيقة الأمر أن التغيير يصل إلى مفهوم ما تقوم عليه الأقلية المتماسكة سياسيا، و الفروق التي كانت تبدو هامشية بدأت تأخذ دلالات ثقافية و سياسية . كما بدأت في الظهور جماعات جديدة، تعبّر عن الهوية الخاصّة للإنسان، و هذه عملية اجتماعية نشطة، تتسارع مع تباين و تشرذم وسائل الإعلام الجماهيري، و مع ظهور المنشورات التي تعبر عن المصالح الخاصّة المتباينة . كما أن ارتباطات الفرد بحكم مولده، تصبح أقل فأقل، مع وجود اختيارات أوسع لتحقيق ذاته
و العامل الثاني في تغيّر طبيعة الانتماء، يعود إلى أن مقدم مجتمع المعلومات، يرتبط بالتسارع الملحوظ في معدّلات التغيّر الثقافي و الاجتماعي، ممّا يجعل الاختيارات التي ينتمي إليها الناس أكثر مرحلية . فنرى الفرد، على مدار حياته، يتبنّى أجزاء من هويته و يصرف النظر عن أخرى، بأسرع من أيّ وقت مضى
الاختفاء المفاجئ للاستقرار السياسي
يقول توفلر عن الفوضى السياسية التي تسود أمريكا : إذا سمحنا بإلقاء العبء الكامل للتغيّرات البنيوية في اقتصادنا على عاتق أولئك الذين هم أقل استعدادا للتعامل معها، فإننا بذلك ندفع المشاكل بعيدا عن الكونجرس و القضاء إلى الشارع ! .. و أنا لا أتوقّع تكرارا آليا لما حدث في الستينات ـ مثلا ـ عندما أعلنت الأقليات المضطهدة حربها . لكن إذا ما أصبحت الظروف باعثة على اليأس، فإن ردود الفعل قد تقود إلى ما هو أسوأ .. انفجارات عنف عفوية ..إرهابا منظّما للغاية .. إلى غير ذلك من الأهوال
و هو يستطرد قائلا أنّه إذا ما ساءت الحال إلى درجة كبيرة، يمكن أن يختفي الاستقرار السياسي فجأة .. و أنّه حتّى أكثر السياسيين و رجال الأعمال غرقا في ظلمة الجهالة يشعرون بذلك . و لكنّهم لا يدركون أن ما سيحدث لن يقف عند حدّ ما حدث في الثلاثينيات مثلا، بعد أن تغيّر كلّ شيء، ممّا يقود إلى أن تصبح أشكال الاحتجاج و الاعتراض أكثر تنوّعا، و أكثر لامركزية، يصعب التنبؤ بها
و يقول " نصيحتي هي : أعطوا اهتماما خاصّا للأقلّيات، بما في ذلك أقلّها عددا، فهذا هو مصدر الألم الأكبر حاليا .. و هو أيضا مصدر الصراعات العظمى في المستقبل

..! الخطـــأ القاتل

الخطأ القاتل بالنسبة لقادة جماعات الأقلّيات اليوم، هو تقليد و نقل نفس الخطأ الذي يقع فيه كبار رجال الأعمال و قادة الحكومة، و هو الفشل في النظر إلى الأمام
الاستراتيجيات القديمة، و الأوضاع السياسية القديمة، و التناولات القديمة، لم تعد صالحة للتطبيق حاليا . و ما لم تقم السياسات الجديدة على أساس المستقبل، فإنّها ستواجه طريقا مسدودا
في هذا يقول توفلر : لو كنت مكان هؤلاء القادة، لأعطيت اهتماما خاصا بقطاع الموجة الثالثة في الاقتصاد ( يقصد القطاع الاقتصادي في مجتمع المعلومات ) .. فقد يكون من الأسهل الحصول على مكاسب معينة ـ كبرامج التدريب مثلا ـ في القطاع الاقتصادي النامي للموجة الثالثة، أكثر ما يمكن الحصول عليه من قطاع الموجة الثانية ( الصناعة ) المنكمش
و هذا يعني دراسة متأنّية لعملية إعادة البناء الخفية، وراء الزلزال الاقتصادي، الذي يكتسب دفعا متزايدا في دول التكنولوجيا المتقدّمة . و دراسة التحوّل إلى الصناعات الجديدة، مثل الكمبيوتر و وسائل الاتصال المتطوّرة، أو التحوّل إلى أحدث الخدمات و أكثرها تقدّما في مجال الصحّة، و الصناعات المساندة مثل الإلكترونيات الطبية

دعم السلطات المحلّية
على حساب المركزية

و هذا يعني أيضا الإقرار بالتحوّل طويل المدى نحو الإنتاج المحلّي و الإقليمي، و نحو تنوّع الإنتاج، الأمر الذي بدأت تظهر تطبيقاته في كل ما هو حولنا، في ملبسنا و مأكلنا و مشربنا، و في ما هو بين أيدينا من أجهزة و منتجات . كذلك، يعني الانصراف عن المدن الكبرى و المتوسّطة، و التوجّه إلى الأماكن التي تتوفّر فيها وظائف مجتمع المعلومات . و أيضا، العمل على خلق وظائف نابعة من احتياجات عصر المعلومات، و خاصة في الأماكن التي تتأزّم فيها مشكلة البطالة
و الانتباه إلى التحول في طبيعة البنية الاقتصادية التي سادت في عصر الصناعة، إلى بنية جديدة نابعة من طبيعة و احتياجات مجتمع المعلومات، يعني أن وظائف عديدة في الإنتاج على نطاق واسع، الذي سادعصرالصناعة،ستختفي .
ليس فقط تلك التي تشغلها الأقليات من المهاجرين، و لكن الأمر سيمتد إلى العديد من مجالات الإنتاج
و أخيرا، يعني هذا تكثيف الضغط السياسي ـ قدر الإمكان ـ على السلطات المحلية بصفة خاصّة، و السلطات الإقليمية في الولايات و المحافظات، بدلا من تركيز الضغط على السلطات المركزية فقط، و ذلك للحصول على الميزانيات اللازمة للعبور إلى المجتمع الجديد
و يلفت توفلر نظرنا إلى مسألة هامة، عندما يقول: فوق هذا كلّه، يجب أن تكون الأولوية المطلقة في أيّ برنامج شامل، هي ... التدريب، ثم المزيد من التدريب، ثم أيضا المزيد من إعادة التدريب

No comments:

Post a Comment