العالم اليوم ـ 2005 ـ راجي عنايــت
أمريكا .. من البربرية إلى التحلل
! دون ما حضـــارة بينهما
أكثر الناس حديثا عن كراهية شعوب العالم للولايات المتحدة، هم الأمريكيون ! .. و الواقع الإحصائي يؤكّد هذا الاستخلاص الذي قد يبدو غريبا بالنسبة لنا.. ما تجمّع لدي من مواقع الإنترنيت الأمريكية التي تتحدّث عن كراهية العالم للولايات المتحدة .. عددها، و تنوّعها، و المستوى الثقافي للمشاركين فيها، يفوق كلّ تصوّر
و سأحاول أن استعرض فيما يلي من حديث، جانبا من الدراسة التي تتضمن تسجيلا زمنيا للتاريخ الطويل للتدخلات الأمريكية في شئون شعوب العالم، و بصفة خاصّة في حياة شعوب الشرق الأوسط .. الضغوط و التدخلات و المؤامرات و الاغتيالات و الانقلابات و تسليط آلتها العسكرية بكل طاقتها التدميرية . و سأعتمد في هذا على الوقائع الثابتة التي جمعها الشرفاء من المفكرين و الكتّاب الأمريكيين، و التحليلات التي قام بها كبار الأساتذة في الجامعات الأمريكية .. و لبندأ بأحدث تحليل عن الواقع الحالي للتدخّل الأمريكي بالعراق، على لسان الأستاذ الجامعي الأمريكي نعوم تشومسكي
! قصّة مستنقعين
في حديث لمجلة نيوز ويك الأمريكية، في أوائل يناير، تحت عنوان (قصّة مستنقعين) ، قال تشومسكي " نجحت إدارة بوش في جعل الولايات المتحدة أحد أكثر دول العالم، إثارة للخوف و الكراهية .." . و هو يعتقد أن المجموعة التي حول بوش تصنع أكثر الإدارات خطورة في التاريخ الأمريكي . و نعوم تشومسكي، من أكثر المثقفين الأمريكيين تأثيرا، خلال القرن العشرين، و هو أستاذ في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا .. تكمن شهرته في اعتباره العقل القائد في حركة معاداة الحروب، في بداية الستينيات خلال مغامرة فييتنام .. لكنه ما زال اليوم في أوج نشاطه
كانت تساؤلات محرر (النيوز ويك) مايكل هاستنجز تدور حول مستقبل أوضاع العراق، و الفوارق بين حركة معاداة الحرب زمن فييتنام، و حركة اليوم بالنسبة للعراق . باختصار شديد سأورد أهم ما قاله تشومسكي في ذلك الحوار
أولا : في الحالة الأولى، كان هدف أمريكا تحطيم فييتنام، لكي لا تصبح نموذجا ناجحا في التنمية المستقلة، بالنسبة لباقي دول المنطقة .. كان من الممكن تخريب فييتنام و الانصراف، لكن هذا لم يكن ممكنا في حالة حرب العراق
ثانيا : و عن سؤال حول مدى نجاح حركة معاداة الحرب في الحربين، قال أن الاحتجاجات بدأت بعد مرور سنوات على بداية حرب فييتنام . أمّا بالنسبة للعـراق فقد اندلعت الاحتجاجات العارمة في أنحاء العالم قبل أن تبدأ الحرب، بطريقة غير مسبوقة
ثالثا : لقد نجحت إدارة بوش في جعل الولايات المتحدة، واحدة من أكثر الدول إثارة للخوف و الكراهية في العالم
! من البربرية إلى الانحطاط
الأستاذ ريتشارد سبيد، المحاضر في قسم التاريخ في جامعة كاليفورنيا بهارفارد، يطرح في مقاله هذا، رؤيته لكتاب جديد بعنوان " كراهية أمريكا : تاريخ "، لمؤلفيه باري و جوديث روبين
و قبل أن يقول أي شيء، صدّر الأستاذ سبيد مقاله بقول مأثور عن الكاتب الشهير أوسكار وايلد، الذي قال : أمريكا هي البلد الوحيـد في العالم، الذي مضى من البربرية إلى الانحطاط، دون حضارة ما فيما بينهما
يبدأ سبيد بسؤال " لماذا يكرهوننا ؟ " .. و يقول " يبدو أن هذا السؤال قد أصبح على كلّ لسان هذه الأيام .. "، و يضيف أن لكل رأيه في تفسير هذا . في نظر البعض أن كراهية أمريكا ترجع ببساطة إلى أن الناس " يكرهون ديموقراطيتنا " ! . و يرى البعض الآخر أن السبب يكمن في أن الولايات المتحدة تأخذ جانب إسرائيل في مواجهة الشعب الفلسطيني . أمّا في أوروبا، فهناك ما يشبه الإجماع على أن الأمريكيين يتصرفون بعجرفة " رعاة البقر " . و أنهم متعصبون دينيون، يريدون فرض طرق حياتهم على باقي شعوب العالم
يقول الأستاذ "و قد أثار هذا ـ في السنوات الأخيرة ـ موجة كراهية مرضية تجاه الولايات المتحدة، لكن يبدو أن قلّة من الناس هي التي تعرف أن هذه الكراهـية و الاحتقار لأمريكا ليست جديدة " . و هو يشير هنا إلى كتاب " كراهية أمريكا : تاريخ " . الذي يقول أن الأوربيين المستنيرين كانوا مقتنعون بأن أمريكا تعتبر متخلّفة بالنسبة للعالم القديم، و أنه لا شيء جيد يمكن أن يصدر عنها
يقول سبيد أن الكتاب يضع الكراهية المعاصرة لأمريكا في سياقها التاريخي، باستعراض الظاهرة على مدى ثلاثة قرون . في المرحلة الأولى من كراهية أمريكا، حاولت الصفوة الفكرية الأوروبية أن ترجع التخلّف الأمريكي إلى البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الأمريكيون . و في المرحلة الثانية، و التي بدأت في العصر الثوري، أرجع تحلل الأمريكيين إلى البشر . و حتّى في أيام جيفرسون، كان ينظر إلى الأمريكيين باعتبارهم سلالة خليط من لغات تجمّع من مجرمي أوروبا، المنبوذين، المتعصبين دينيا، الفاشلين .. و باختصار حثالة المجتمع الأوروبي
كراهية الرأسمالية
إذا انتقلنا إلى التاريخ القريب، خلال القرن التاسع عشر، كانت عداوة أمريكا التوجّه الثقافي لكل من اليمين المحافظ الذي كان يحتقر ( الجماهير )، و اليسار الرومانتيكي، الذي تحمّس و تخوّف في نفس الوقت تجاه ( الطبقات الخطيرة )، و مع تفجّر الثورة البلشفية، اكتسب العداء لأمريكا دعما حكوميا . فانضمت معاداة الرأسمالية، إلى معاداة الولايات المتحدة، في الدعايات المنتشرة التي يقوم بها الاتحاد السوفييتي . وبالنسية لليمين، ربطت الفاشية بين معاداة السامية و معاداة أمريكا
و خلال 45 سنة، هي عمر الحرب الباردة، خفتت معاداة أمريكا في أوروبا الغربية، لأن دول لك المنطقة كانت تعتمد على الولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفييتي . و هي في الحقيقة خفتت في أماكن عديدة ما عدا فرنسا، التي كانت دائما مصدرا قويا لكراهية أمريكا
لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، و اختفاء الإمبراطورية الروسية، بدأت ثانية موجة خوف هستيرية من ( القوّة الهائلة الكبرى ) للولايات المتحدة ما نسيه المؤلفان
في ختام تعليقه على الكتاب، يقول الأستاذ ريتشارد سبيد " يصف المؤلفان في سلسلة من الفصول كيف تجسدت كراهية النمط الأمريكي بين شعوب أمريكا اللاتينية، ثم بين شعوب الشرق الأوسط " . و يستطرد سبيد قائلا أن المؤلفين حاولا إرجاع تلك كراهية أمريكا في الشرق الأوسط، إلى رغبة حكام هذه الشعوب في التغطية على فشل المجتمعات الإسلامية في التوافق مع الحداثة . و يقول أن المؤلفين باري و جوديث روبين يعتقدان أن مثقّفي العالم الثالث يتبنون بشكل عام مقولات العداء لأمريكا القديمة، لكي يطبقونها على النظام السائد فيما بعد انقضاء الحرب الباردة
و يلخّص سبيد رأيه في الكتاب قائلا : من الواجب الإشارة إلى أن المؤلفين قد فشلا في مناقشة كراهية أبناء الشعب الأمريكي للنمط الأمريكي في الحياة، منذ حرب فييتنام .. كراهية أمريكا، هي في الحقيقة دليل فهم لنمو و انتشار أيديولوجية أخرى للشعور بالاضطهاد، و هي تحمل أوجه شبه لا تخطأ من معاداة السامية .. السلالة الشريرة الأسبق
No comments:
Post a Comment