عالم اليوم ـ 1977 ـ راجي عنايت
.. مجتمع المعلومات
من التكنولوجيا، إلى السوق، إلى الإنسان
الكثير من الغموض و التخبّط الذي نلمسه في كتابات من يتصدّون للحديث عن المستقبل، و عن عصر المعلومات، يرجع إلى عدم وضوح طبيعة الذي يتحدّثون عنه . رغم حديثهم عن التغيير، و عن أثر ذلك التغيير على حياتنا، و عن ضرورة اللحاق بركب التطوّر، إلاّ أنهم ما أن ينتقلوا من التعميم إلى التخصيص، حتّي يقعوا في خظأ تصوّر أن مجتمع المعلومات هو مجرّد تحديث أو تطوير للمجتمع الصناعي الذي عرفوه . إلى هؤلاء أنقل المقارنة الشاملة التي أجراها المفكّر الياباني يونيجي ماسودا بين مجتمعي الصناعة و المعلومات
أولا : جوهر التكنولوجيا الإبتكارية
كانت الآلة البخارية، هي الإبتكار التكنولوجي الأساسي، و جوهر المجتمع الصناعي . و كانت وظيفتها أن تحلّ محل القوّة الجسدية للإنسان، و أن تضخّمها
و تكنولوجيا الكمبيوتر، هي التكنولوجيا الإبتكارية لمجتمع المعلومات، و جوهره . وظيفتها أن تحل محلّ العمل العقلي للإنسان، و تعمل على تضخيمه
و هذا يعني إنتقالنا من العمل الجسدي، إلى العمل العقلي
ثانيا : القوّة الإنتاجية المحرّكة
في المجتمع الصناعي، كانت ثورة القوة النابعة من الآلة البخارية، هي السبيل إلى التنمية السريعة لقوى الإنتاج المادي، و قد مكّنت الإنسان من إنتاج البضائع و الخدمات على نطاق واسع
أمّا في مجتمع المعلومات، فإن "الثورة المعلوماتية" التي نتجت عن تطوير الكمبيوتر، هي التي تقود إلى التعجيل بانتشار قوّة الإنتاج المعلوماتية، بحيث يمكن إنتاج المعلومات المعرفية المنظّمة و المعارف على أوسع نطاق
أي : الإنتقال في مركز الثقل من إنتاج البضائع، إلى إنتاج المعلومات
ثالثا : مركز الإنتاج
كان المصنع الحديث، بآلاته و تجهيزاته، هو الرمز الحقيقي لمجتمع الصناعة، و مركز إنتاج بضائعه . و في مجتمع المعلومات، تحل محل المصنع المرافق المعلوماتية(أي الينية التحتية المعتمدة على الكمبيوتر)، و التي تتضمّن شبكات المعلومات، و بنوك البيانات . و تصبح هذه المرافق المعلوماتية مركز الإنتاج و التوزيع للبضائع المعلوماتية
أي: الإنتقال من المصنع، إلى المرافق المعلوماتية
رابعا : السوق كبنية إجتماعية-إقتصادية
إتّسعت الأسواق في المجتمع الصناعي، نتيجة لإكتشاف قارات جديدة، و الإستيلاء على المستعمرات . و كانت زيادة القدرة الشرائية عند المستهلكين، هي العامل الرئيسي في توسّع السوق
أمّا في مجتمع المعلومات، فالجبهة المعرفية تصبح هي السوق المحتملة . و يكون العامل الأساسي وراء إتّساع سوق المعلومات، هو زيادة فرص حل المشاكل بالنسبة لمجتمع ينمو بشكل دائم و ديناميكي
أي : إنّنا ننتقل من سوق الإستهلاك، إلى سوق المعرفة
خامسا : الصناعات القائدة
الصناعات القائدة في التنمية الإقتصادية بالنسبة للمجتمع الصناعي، هي صناعات الآلات و المواد الكيماوية . و البناء الكلّي لهذه الصناعات، يتضمّن صناعات أولى و ثانية و ثالثة
و في مجتمع المعلومات، ستكون الصناعات القائدة هي الصناعات العقلية، و التي يكون جوهرها صناعات معرفية . و ستضاف الصناعات المتّصلة بالمعلومات، كعنصر جديد في البناء الكلّي للصناعات، بإعتبارها المجموعة الرابعة المضافة على صناعات عصر الصناعة . و بهذا يتضمّن البناء الصناعي، صناعات متّصلة بالمعلومات على المحور الرأسي، و صناعات متّصلة بالصحّة و الإسكان و ما أشبه على المحور الأفقي
أي : الإنتقال من الآلات و الكيماويّات، إلى المعلومات و المعرفة
سادسا : البنيـة الإقتصادية
يتميّز الهيكل الإقتصادي الصناعي بالتالي : (أ) إقتصاد السلع المعتمد على المبيعات، (ب) التخصّص في أقسام العمل لحساب الإنتاج، (ج) الإنفصال الكامل للإنتاج عن الإستهلاك، و للمؤسّسة عن البيت، بالإضافة إلى الإنقسامات الأخرى في مجال المال و العمل
أمّا في مجتمع المعلومات، فنجد التالي : (أ) المعلومات - التي هي محور التنمية الإجتماعية الإقتصادية- سيتم إنتاجها إعتمادا على المرافق المعلوماتية، (ب) تزايد الإنتاج الشخصي للمعلومات، كنتيجة لإستخدامها، ممّا يقود إلى تراكم المعلومات، (ج) سيشيع هذا التراكم المعلوماتي، من خلال الإنتاج التعاوني، و المشاركة في المرافق المعلوماتية، (د) سيتغيّر الإقتصاد - بنيويّاً - من إقتصاد تبادل أو مقايضة، إلى إقتصاد تعاوني
أي : الإنتقال من إقتصاد فصل الإنتاج عن الإستهلاك، إلى إقتصاد تعاوني
سابعا : المبدأ الإجتماعي - الإقتصادي
في المجتمع الصناعي، يكون قانون السعر، و هو المبدأ الإجتماعي الإقتصادي العام، اليد الخفيّة التي تحقّق التوازن بين العرض و الطلب . و يكون النموّ في الإقتصاد و في المجتمع ككلّ خاضعا لذلك النظام الإقتصادي
أمّا في مجتمع المعلومات، فيكون مبدأ الهدف ( و هو في حقيقته مبدأ الهدف و الوسيلة معاً)، هو المبدأ الرئيسي في المجتمع . و في هذا المجال تعمل التغذية الأمامية التعاونية، و التي تعيد توزيع الواجبات من أجل تحقيق الهدف العام، هي المسئولة عن توفير النظام في المجتمع
أي : الإنتقال من قانون السعر، إلى مبدأ التعاون
ثامنا : الأداة الإجتماعية - الاقتصادية
في المجتمع الصناعي، يعتبر المشروع الإقتصادي، أو المجموعة الإقتصادية، أكثر الأدوات أهمّية للنشاط الاجتماعي . و المشروع الإقتصادي يعمل في ثلاثة مجالات : المشروع الخاص، و المشروع العام، يالإضافة إلى المجال الثالث الذي يتضمّن ملكية الحكومة من خلال إدارة خاصّة
أمّا في مجتمع المعلومات، فيكون "المجتمع التطوّعي" أهمّ أدوات النشاط الإجتماعي . و تعبير "المجتمع التطوّعي"، يعني مجموعة إقتصادية، يمكن تقسيمها بشكل واسع إلى مجتمعات محلّية، و إلى مجتمعات معلوماتية
أي : الإنتقال من المؤسّسة الإقتصادية، إلى المجتمع التطوّعي
تاسعا : النظام الإجتماعي - الإقتصادي
النظام الإجتماعي الإقتصادي لمجتمع الصناعة، هو نظام المشروع الخاص، الذي يتميّز بالملكية الخاصّة لرأس المال، و التنافس الحرّ، و تعظيم الإرباح و السعي إلى أقصى ربح
أمّا في مجتمع المعلومات، فيقوم النظام الإجتماعي الإقتصادي على المجتمع المدني التطوّعي، الذي يتميّز بتفوّق بنيته التحتيّة، باعتبارها جامعة بين رأس المال العام، و رأس المال البشري ذي التوجّه المعرفي . و في إطار أساسي يجمع بين مبدأي التعاون، و المنفعة الإجتماعية
أي : الإنتقال من تعظيم الربح، إلى التعاون و المنفعة الإجتماعية
عاشرا : شــكل المجتمـع
المجتمع الصناعي، هو مجتمع السلطة المركزية، و تسلسل الطبقات
أمّا مجتمع المعلومات، فيكون مجتمع تعدّد المراكز و التكامل التطوّعي . و هو مجتمع يعمل أفقيـــاً، و ليس بشكل رأسي كما في حالة المجتمع المركزي . و هو يحقّق نظامه الإجتماعي، من خلال عمليات الإستقلال الذاتي و التكامل، ممّا يتميّز به المجتمع التطوّعي
أي : الإنتقال من المركزيّة، إلى المراكز المتعدّدة، و من الطبقات إلى التكامل التطوّعي
حادي عشر : الهـدف القومــي
هدف المجتمع الصناعي، هو إقامة مجتمع الرفاهية القومي، ساعيا إلى تحقيق المجتمع عالي الرفاهية، من المهد إلى اللحد
أمّا مجتمع المعلومات، فيستهدف تحقيق مبدأ "قيمة الزمن" لكل إنسان . و قيمة الزمن، تعني القيمة التي ترسم و تعمل على تحقيق الزمن المستقبلي أو الآتي . هدف مجتمع المعلومات، هو أن يستمتع الإنسان بحياة ذات قيمة، من خلال سعيه إلى إمكانات مستقبلية أعظم
أي : الإنتقال من الرفاهية، إلى قيمة الزمن
ثاني عشر : شـكل الحكـومة
النظام السياسي للمجتمع الصناعي، هو نظام التمثيل النيابي، و حكم الأغلبية
أمّا في مجتمع المعلومات، فيصبح النظام السياسي هو ديموقراطيّة المشاركة، أو السياسة القائمة على مشاركة الجماهير بنفسها . و سياسة الإدارة الذاتيّة للمواطنين، التي تقوم على الإتّفاق و المشاركة والتعاون. و هي سياسة تدخل في إعتبارها آراء الأقلّيات
أي : الإنتقال من التمثيل النيابي، إلى المشاركة
ثالث عشر : قـوّة التغيير الإجتماعي
تقوم إتّحادات و نقابات العمّال في المجتمع الصناعي، بإعتبارها قوّة التغيير الإجتماعي . و تكتسب الحركات النقابية المزيد من نفوذها، بالإعتماد على النزاعات بين العمّال و أصحاب العمل، كسلاح في يدها
أمّا في مجتمع المعلومات، فتكون حركات المواطنين هي أداة قوّة التغيير الإجتماعي، أسلحتها هي التقاضي أو الإلتجاء إلى القانون، و تنامي المشاركة
أي : الإنتقال من النقابة العمّالية، إلى قوّة حركة المواطنين
رابع عشر : المشـاكل الإجتماعية
في المجتمع الصناعي، توجد ثلاثة أنواع من المشاكل الإجتماعية، البطالة الناشئة عن الكساد، والحروب الناتجة عن الصراع الدولي و عن الأطماع التوسّعية من أجل دعم الموقف التنافسي الإقتصادي، ثم دكتاتورية النظم الفاشية
أمّا مشاكل مجتمع المعلومات، فستكون صدمات المستقبل، و عدم قدرة الأفراد على مواكبة التحوّلات الإجتماعية السريعة، و أعمال الإرهاب الفردية و الجماعية، و أزمات سيطرة قلّة على المعلومات
أي : الإنتقال من اليطالة و الحرب و الدكتاتورية، إلى صدمات المستقبل والإرهاب والمجتمع المحكوم
خامس عشر : أعلى تطوّر للبنية الإجتماعية الإقتصادية
أعلى مراحل تطوّر المجتمع الصناعي، هي مرحلة الإستهلاك الجماهيري المرتفع على أوسع نطاق، والتي تنصبّ على السلع المعمّرة، كالسيارات
أمّا أعلى مراحل المجتمع المعلوماتي تطوّراً، فهو تأسيس مجتمع خلق المعرفة الجماهيرية، إعتمادا على الإستخدام المتنوّع للكمبيوتر، من أجل إشباع الذات
أي : الإنتقال من مجتمع الإستهلاك، إلى مجتمع خلق المعارف و إشباع الذات
سادس عشر : المعايير القيمية
القيم الماديّة لإشباع الحاجات البدنية و النفسية، هي المعايير العامّة في المجتمع الصناعي
و في مجتمع المعلومات، تنبع المعايير العامة للقيم الإجتماعية من السعي إلى الإشباع، الناتج عن تحقيق الأهداف
أي : الإنتقال من إشباع الحاجات المادّية، إلى تحقيق الأهداف
No comments:
Post a Comment