Wednesday, January 13, 2010

الأعلام السوداء

نهضة مصر – الثلاثاء 6/12/2005 – راجي عنايــت

!! ..ما كلّ هذا الانحطاط السياسي ؟

من عجائب الإعلام المصري الرسمي العاجز، ظهور د. أسامة الباز، بصوته الغريب، ليقول أن الرئيس حسني مبارك ليس فرعـونا و لا يريد أن يحكم مصر طوال حياته .. و نحن نتساءل :" بأمارة إيه ؟!" .. نظامنا الحاكم لا يتعلّم، و لا يفهم الدرس تلو الآخر .. بل إنه لا يدرك أن الدروس قد انتهت
منذ زمن، توقّفت عن قراءة الصحافة الحكومية، لأسباب صحيّة متصلة بمستوى ضغط الدم بعد الأزمة القلبية التي أصبت بها، و اكتفينا بالأهرام لحرص زوجتي على متابعة صفحات الوفيات . كذلك امتنعت تماما عن مشاهدة القنوات التلفزيونية الحكومية، لنفس الأسباب السابقة، و اكتفيت بمصادر الأخبار العالمية، و بعض القنوات الخاصّة و العربية، الخالية من الفحش الإعلامي
و لكن .. بعد أن ضغطت أمريكا على النظام بشكل جاد، و أظهرت له العين الحمراء، مدّ حسني مبارك يده برفق مزحزحا المادة 76 من الدستور . و رغم مبادرة كبار كهنة النظام، و سعيهم الناجح إلى إخلاء الحركة من مضمونها، ظنّا منهم أنّهم بذلك قد نجحوا في الضحك على الأمريكان، دون يعيروا أهمية للرفض المصري الواسع لتدبيرهم .. مجرّد أن امتدت يد حسني مبارك إلى تلك المادة، و رغم الجهد غير المبارك من كهنة النظام، بدأ الانهيار المتلاحق للأوضاع السياسية في مصر .. انهيار لم تستطع أن توقفه جميع جهود الحرس القديم و الجديد معا .. فتبددت جميع الخطوط الحمراء الشهيرة

رأي الشعب في النظام

قاد إصرار النظام على مواصلة تصرفاته غير الذكية، أن وافق الشعب على التدخّل الأمريكي، رغم كراهيته العميقة لأمريكا و حكومتها .. و أن رفض ـ بقدر استطاعته ـ معظم من تقدّم بهم الحزب الوطني للانتخابات الحالية .. بل و رفض الأحزاب الهزيلة التي تفتّق عنها ذهن السـادات في (جلسة من جلسات الرواقة ) .. شيء إلى اليمين، و شيء إلى اليسار، و شيء فوق و شيء تحت ..
رفض الشعب كل الزيف السياسي الذي خطط له السادات، و بخطوة انتحارية ـ أرغم عليها ـ أعطى أصواته لجماعة الإخوان المسلمون ! ..بالمناسبة : تحديدا لموقفي .. لقد أعلنت في مقال الأسبوع الماضي الأسباب الموضوعية لرفضي حكم الإخوان، و اعتبار أنهم يشكّلون الخطر الأكبر على مستقبل مصر
و لو أن النظام الحاكم لم يستخدم جميع الممارسات السياسية و الأمنية القذرة، التي عرفتها الأنظمة الشمولية، من اعتقال و تزوير و ضغوط على ضعاف النفوس من القضاء الجالس و الواقف، و الذي ينتظر الثمن على ركبة و نصف .. لو لم يقم النظام بهذه الأعمال المشينة، لحصل الإخوان المسلمون على أغلبية مقاعد المجلس القادم، و ليس فقط ما يزيد عن ثلثها
! و الدكتور فاروق الباز

و كأننا لم تكفنا أقوال أسامة الباز، طلع علينا شقيقه د. فاروق الباز بتصريحات لجريدة " المصري اليوم " التي أستعيض بها عن الجرائد الحكومية .. فما الذي قاله العالم الجليل ؟
أولا : أشاد بالضغوط الخارجية، و اعتبرها سببا رئيسيا في إحداث تحسّن في مسار الحياة السياسية، و أفكار المصريين و الأجواء السائدة ... ولتصحيح هذا نقول أن هذا التدخّل أرغم القيادة على قبول ما كانت ترفضه، لكنه ليس السبب الرئيسي في تحسّن أفكار المصريين، باعتبار أن أفكار المصريين هي التي شجعت أمريكا على استكمال الضغط الداخلي بضغطها الخارجي
ثانيا : و أن رفض الإصلاح من الخارج يعطي انطباعا بأن هناك خللا في المجتمع المصري .. فالتغيير هو سنّة الحياة . و لتصحيح هذا نقول أن الخلل كان في الحكومة و حزبها أساسا
ثالثا : قال، من يتحدّث عن الضغوط الخارجية لا يثق في نفسه (!)، مطالبا بأن نكفّ عن الحديث عن الضغوط الخارجية . و القول أنهم سيغيرون ديننا مقولة غير مقبولة ... وهذا دفاع رخيص عن التدخّل الأمريكي في دول العالم، كما أن أحدا لم يقل أن أمريكا تريد تغيير ديننا .. نحن نعرف جيّدا أنها تريد ضمان استقرار المنطقة بأي ثمن، حتّى تضمن تدفّق البترول عليها بالسعر الذي يناسبها، و لتذهب شعوب الشرق الأوسط إلى الجحيم بعد ذلك . أنصح د. فارق بالرجوع إلى مطبوعات "راند" التابعة للبنتاجون الأمريكي، حتّى يفهم هذه الحقيقة
رابعا : انتقد منهج الإخوان المسلمين الحالي و إقحام الدين في السياسة ... و نحن نتّفق معه تماما في هذا، لكن ماذا نفعل في هذا النظام الغبي، الذي لا يريد أن يفهم، و الذي جعل الشعب على استعداد للارتماء في أحضان الشيطان، إذا كان هذا هو ثمن التخلّص منه
خامسا : إن نجاح الإخوان في الانتخابات البرلمانية جاء لعدة أسباب منها رغبة بعض المواطنين أن تقول لا للحزب الوطني، فاختاروهم ... سلّم زندك ! .. و هذا هو ما يقوله الجميع يا دكتور
سادسا : الإخوان المسلمون جماعة منظّمة، واثقة من قدرتها، تملك الشجاعة و تعرف ما تريد و ما يجب عليها فعله لكي تصل إلى أهدافها .. و باقي الأحزاب السياسية و المرشّحين لا يملكون هذه الميزات، و يتحدّثون فقط عن التغيير، دون أن يوضّحوا ما هو المقصود بالتغيير ... و هذا هو ما نقوله دائما، دون أن ندبّج قصائد الغزل هذه في الإخوان، بالإضافة إلى أن التغيير الذي ينادون به، تغيير إلى الوراء

كراهية الوطني .. لماذا ؟

يرجع د. فاروق الباز صعود الإخوان إلى رغبة المواطنين في قول " لا " للحزب الوطني .. لكنه لم يقل لنا لماذا هذه الكراهية الشاملة للحزب الوطني و قيادتة و حكوماته .. كراهية لا يشعر بها المنتفعون و اللصوص، و الإعلاميون الحكوميون من فئة الخدم السايرة
لقد قال أن الحزب الوطني و باقي الأحزاب : لا تثق في نفسها، و لا تملك الشجاعة، و لا تعرف ماذا تريد، و ما يجب عليها فعله لكي تصل إلى أهدافها .. و هذا قد ينسحب على باقي الأحزاب الشكلية التي اخترعها السادات .. و رغم انسحابه أيضا على الحزب الوطني، إلاّ أن مصيبة الحزب الوطني أكبر بكثير ..أنا قد أرفض الحزب الناصري أو حزب التجمّع أو حزب الوفد، لكنّي لا أكره أي منها .. فالكراهية قاصرة فقط على الحزب الوطني، بفضل ممارساته و أفعاله على مدى العقود


! الدبة قتلت صاحبها

الإعلام المصري الحكومي، صحافة و إذاعة و تلفزيون، هو الدبّة التي قتلت صاحبها
كنت أتصوّر أنّه بعد انتهاء المرحلتين الأولى و الثانية من مراحل الانتخابات البرلمانية، و خيبة أمل الحزب الوطني في كوادره و براعمه، أن تفيق قيادته من أحلامها، و تعيد النظر في السياسات الخاطئة التي التزمت بها.. و أن تخفّف من استخدامها لسلطاتها الغاشمة غير الشرعية، التي جلبت لها كراهية الأغلبية الناطقة و الصامتة
لكن الذي حدث هو العكس .. لقد بدأ النظام يتصرّف و كأن بينه و بين الشـعب المصري "تار بايت" ! .. و بدأ الطاقم الجديد من قيادات الصحافة الحكومية كفاحه المستميت لإثبات أنّه لا يقل عن الطاقم القديم قدرة على التهليل و التطبيل و إطلاق الأكاذيب .. و على ممارسة البجاحة الإعلامية
التلفزيون الذي تباهى بحياده في معركة الرئاسة المضمونة سلفا، فقد أعصابه عندما رجحت كفّة الإخوان المسلمين في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، و أدار وصلات (ردح ) رسمي في برامجه الحوارية، كان من نتيجتها استفزاز الناخبين، و إصرارهم على إنجاح المزيد من مرشّحي الإخوان في المرحلة الثانية .. و هبط التلفزيون إلى حضيض الفجاجة في برنامج حواري غليظ، كان من الممكن أن يضاعف مكاسب الإخوان، لولا الإجراءات الأمنية الاستثنائية في المرحلة الثالثة .. و التي كشفت عورة النظام على مختلف الأصعدة العربية و العالمية، و جعلتنا ملطشة للجميع

* * *
لا أجد ما أقوله لقيادات النظام الحاكم سوى : أفيقوا يرحمكم و يرحمنا الله .. و انتبهوا إلى المنزلق الذي تستدرجون إليه شعب مصر .. ففي حالتنا، لن ترتفع الأعلام البرتقالية كما حدث في أوكرانيا .. ذلك لأن الأعلام عندنا ستكون على الأرجح سوداء

No comments:

Post a Comment