Tuesday, March 30, 2010

سر انتخابات 2005

نهضة مصر – الثلاثاء 13/12/2005 – راجي عنايــت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتّى اليوم .. مازالت وسائل الإعلام عندنا تتساءل
عن سر الانقلاب على الممارسة الديموقراطية
في منتصف انتخابات عام 2005
رغم إنني كشفت ذلك السر في نفس السنة
ـــــــــــــــــــــــــــ
العلاقة بين
زيارة كونداليزا لأوروبا
و تزوير انتخابات2005


سألني : هل تعرف سرّ التحوّل الذي طرأ على موقف النظام الحاكم في الانتخابات البرلمانية؟ .. أجبت : لقد شعر النظام أنه سيفقد السيطرة على المجلس فلحس كل وعوده و تصريحاته، و أعطى الأمر بالضرب في المليان .. سأل : و متى حدث ذلك ؟ .. أجبت : بدأ في إعادة المرحلة الثانية، و تجلّى في المرحلة الثالثة بأكملها .. سأل : و لماذا لم يبدأ في المرحلة الثانية، بعد أن ظهرت الرؤية في المرحلة الأولي .. أجبت : لا أدري
الذي عرفته بعد ذلك، يعطي إجابة دقيقة حاسمة لسرّ توقّف النظام عن ادّعاء الشفافية و الأمانة الانتخابية، و إعطائه الأوامر بالضرب في المليان، فبدأت المذبحة التي شهد العالم بأكمله تفاصيلها
التفسير الذي اقتنعت به، له صلة وثيقة بالعلاقة بين الولايات المتحدة و نظام الرئيس حسني مبارك . منذ اغتيال السادات، التزم نظام الرئيس حسني مبارك بتنفيذ المهام و المشـاوير التي تطلبها أمريكا .. و في المرات التي تعكّرت فيها العلاقات مع أمريكا تحت ضغط عربي أو داخلي، سرعان ما كان النظام المصري يعود معتذرا إلى قواعده
مبارك يعلم رأي أمريكا

و الرئيس مبارك يعلم كيف تنظر أمريكا إلى نظام حكمه . ففي عام 2004 صدر عن راند، بالبنتاجون الأمريكي كتاب يضم مجموعة دراسات عن " مستقبل أمن الشرق الأوسط " ، عن الصراعات الدائرة و الاستقرار، و احتمالات التغيير و الإصلاح السياسي . و سأسمح لنفسي بنقل بعض ما ورد متصلا برؤية أمريكا للنظام المصري، في نقاط
أولا : عملية الإصلاح السياسي المصرية، عملية شكلية .. فالحكومة تتدخّل في العملية الانتخابية بالتزوير و الغش على أوسع نطاق
ثانيا : في مصر 14 حزبا رسميا، القليل منها له دلالة سياسية، و كلها مجتمعة لا تستطيع أن تتحدّى الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم
ثالثا : العديد من الحريّات تتاح من الناحية النظرية، لكنها تكون محظورة عند التطبيق
رابعا : الإصلاح السياسي في مصر يبدو أنه يمضي إلى الخلف و ليس إلى الأمام، و يتم من أعلى إلى أسفل، فيسمح النظام بما يخدم مصالحه الخاصّة فقط، و يرفض ما يقلل من قبضته على السلطة
خامسا : أقام الإخوان المسلمون قاعدة دعم سياسي لها دلالة، بالتنظيم و بتقديم خدمات لا تقدمها الدولة . في ظل انتخابات حرّة، سيحظون بأصوات تفوق كلّ الأحزاب، بما في ذلك الحزب الوطني
سادسا : مع استمرار الظروف الراهنة، لا يحتمل أن تستمر حكومة مصر في عملية الإصلاح السياسي

.. السؤال المطروح

و السؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا اتخذ مبارك خطوة تعديل المادة 76 في الدستور، و التي اهتزّت لها قواعد الحياة السياسية في مصر ؟ . الأغلب أنه فعل ذلك تحت ضغط أمريكي .. و لماذا الضغط الأمريكي ؟، هذه قصة طويلة تتصل بسياسات أمريكا في المنطقة، و التي تغيّرت بعد أحداث 11 سبتمبر . المهم، أن الرئيس استجاب للضغط الأمريكي، ثم غمز بعينه تجاه أساطين الأعمال القذرة ( على حدّ قوله )، فاستجابوا مفرغين التعديل من معناه .. و بحيث تبدو المسألة أمام أمريكا أنه يريد التعديل، و لكن يواجه مقاومة من النظام
تكرر توبيخ أمريكا للنظام، نتيجة لتلك اللعبة المكشوفة، فالتزم النظام جانب الحذر في المرحلة الأولى من الانتخابات . و كانت النتيجة مفاجأة للجميع عدا الولايات المتحدة ( انظر دراسة البنتاجون أعلاه )، اكتساح من الإخوان . بدأ الهرج و المرج، و تبادل الاتهامات و الردح الأصلي في أوساط الحزب الوطني، غير أن التصريحات الأمريكية المتوالية أشعرت النظام أن عينها عليه، فأتيح لليوم الأول من انتخابات المرحلة الثانية، أن يمر بدون التدخّل المعتاد من كهنة الحزب، فجاءت النتيجة غير مطمئنة، توحي بأن الإخوان سيواصلون اكتساحهم
! .. لكن حدث ما قلب موازين الأمور، فيما قبل انتخابات الإعادة للمرحلة الثانية

الزيارة المباركة لكونداليزا

رغم كرامات الإخوان، فالثابت أن الحزب الوطني : زاعق له نبي
عندما همّت كونداليزا رايس بزيارة أوروبا، دار لغط شديد حول نشاط يتم في سرية و تكتم لطائرات المخابرات المركزية الأمريكية في المطارات الأوربية، و حول عمليات نقل معتقلين من السجون الأمريكية إلى سجون سرية خاصّة في أوروبا، حيث يتم استجوابهم و تعذيبهم دون التقيّد بالقوانين الأساسية لحقوق البشر . شعرت رايس أن هذه المسألة ستفسد عليها زيارتها، فأنكرت أول الأمر حدوث أي شيء من ذلك .. ثم تحت ضغط التكذيبات الأوربية و الوقائع الثابتة، عادت فاعتذرت عن وقائع التعذيب في السجون الخاصة : و التي اصطلح على تسميتها المواقع السوداء
قبل أن تعتذر رايس، و قبل أن تعلن الولايات المتحدة توقّفها عن سياسة التحقيقات المريبة، مدينة أي موظّف أمريكي يعرّض المعتقلين للمعاملات القاسية .. قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتفريغ السجون الأوربية ( في بولندا و رومانيا و أماكن أخرى ) من المعتقلين، و نقلهم إلى أماكن أخرى .. أين ؟ .. هذا هو السؤال .. إلى مصر و بعض دول شمال أفريقيا
كان وصول الشـحنة البشرية إلى سجوننا، دليل الرضـا الأمريكي المتجدد على النظام.. و على الفور جرت ترجمة ذلك
على شكل عودة إلى تراث النظام الحاكم التقليدي في التزوير و التدمير و تسليط عملاء الأمن على الجميع المرشحين و الناخبين و القضاة ! .. و رغم تصريحات أمريكا برفض التجاوزات التي قام بها الأمن، فقد استعبط النظام، و أصمّ أذنيه، و واصل تخريب العملية الديموقراطية، حتّى نهاية الإعادة للمرحلة الثالثة .. و انتصر الحزب الوطني

بالمستندات .. ع المكشوف
و حتّى لا يتصور أحد من زبانية النظام الحاكم أنني أختلق شيئا سأورد جانبا قليلا جدا مما هو أمامي من حقائق، نشرت كلّها في وسائل الإعلام العالمية، صحف و إذاعات و تلفزيونات، و على الإنترنيت . و سأقتصر هنا على ما يخصنا في مصر من وقائع عمليات التعذيب
سيدني مورننج هيرالد – 8/12 : الشرطة و السلطات القضائية في ثماني دول أوروبية، من بينها السويد و ألمانيا و أسبانيا، بدأت تحقيقاتها، فيما لو كانت المخابرات المركزية الأمريكية قد استخدمت مجالها الجوّي و مطاراتها في رحلات سرّية، لنقل إرهابيون مشتبه فيهم . طلب الاتحاد الأوروبي تفسيرا من الولايات المتحدة. و لم تنتظر الدانمرك إجابة، و ابتداء من سبتمبر الماضي منعت طائرات المخابرات الأمريكية من استخدام مجالها الجوّي . و في إيطاليا بدأ الجهات المختصّة التحقيق فيما زعم من قيام 13 عميل مخابرات أمريكي باختطاف الداعية الأصولي الإسلامي أبو عمر، في فبراير 2003 . و كان عمر قد نقل جوّا إلى مصر، حيث اختفى
الجارديان البريطانية – 6/12 : ممدوح حبيب، المواطن الأسترالي من أصل مصري، يقول محاموه انّه جرى شحنه من الحدود الباكستانية الأفغانية إلى مصر، في طائرة نفّاثة صغيرة بصحبة رجال يتكلّمون الإنجليزية بلكنة أمريكية . و قد بقي في السجن المصري لمدة ستة أشهر، حيث كان يعلّق بخطاطيف، و يضرب، و يعرّض لصدمات كهربائية بمنخس الماشية المكهرب .. و يروي حبيب أنه قد أدخل إلى ثلاث غرف للتعذيب، واحدة مملوءة بالماء حتّى ذقنه، بحيث يكون عليه أن يقف لساعات على أطراف أصابع قدمه حتّى يستطيع أن يتنفّس . و أخرى بسقف منخفض مع ماء يرتفع بمقدار قدمين، مما يضطره إلى الانحناء في وضع مؤلم . و غرفة ثالثة في أرضها القليل من الماء، و على مرأى منه مولّد كهربائي، قال له معذّبوه أنه سيستخدم لكهربته . ممّا دفعه إلى الاعتراف بأنّه ساعد في تدريب من قاموا بهجمات 11 سبتمبر . تم نقل حبيب إلى جوانتنامو .. وفي يناير من هذا العام تم الإفراج عنه لعدم ثبوت أي تهمة، و أعيد إلى زوجته و أطفاله الثلاثة في سيدني
نفس الموضوع في الجارديان: سرد قصة طويلة لمعتقلين جرى خطفهما من ستوكهلم، هما أحمد عجيزة، طبيب 43 سنة، و محمد سرّي 36 سنة، على يد عملاء المخابرات الأمريكية، و نقلا إلى مصر حيث تعرّضا للتعذيب بالصدمات الكهربائية
الإندبيندلنت البريطانية – 5/12 : كتب رايموند ويتكار أنّه من بين الوقائع العديدة و المتزايدة عن عمليات التعذيب التي تقوم بها الولايات المتحدة، توجد قائمـة بسلسلة من " تقنيات الاستجواب المتطوّرة "، التي يستخدمها عملاء المخابرات المركزية الأمريكية في السجون السرّية، من بينها الاقتراب من حد الغرق أو التجمّد، أو الحرمان من النوم، أو اللطم و الضرب، قد ثبت أن واحدا من المعتقلين قد مات متأثرا بهذه الممارسات . و يورد الكاتب ما قاله الكولونيل لورانس ويلكنسون، مدير مكتب كولن باول عندما كان وزيرا لخارجية أمريكا، الأسبوع الماضي، من أنّه يعرف أكثر مكن 70 حالة " وفاة أثناء الاستجواب " للمعتقلين تحت إشراف الولايات المتحدة، حتّى نهاية عام 2002، عندما ترك عمله . و أن هذه الوقائع تضاف إليها المزيد من وقائع ( الإحالة ) الموثّقة، و التي جرى فيها نقل المشتبه فيهم جوا إلى دول الشرق الأوسط، حيث التعذيب و الوفاة في المعتقل تعتبر من الأمور الروتينية . و يضيف الكولونيل الأمريكي نقلا عن عميل مخابرات أمريكية سابق : إذا كنت تريد استجوابا جيدا، ارسلهم إلى الأردن، أمّا إذا كنت تريدهم أمواتا، فارسلهم إلى مصر أو سوريا

* * *

بعد هذه الخدمات غير الإنسانية، يظن النظام المصري أن أمريكا ستظلّ مكسورة العين، متغاضية عن تصرفاته الخرقاء غير المسئولة .. و الرأي عندي أن لدى أمريكا مفاجأة ! .. و من المفيد الإشارة إلى أن أحدا لم يخدم أمريكا، و يستجيب إلى توجيهاتها، مثل صدام حسين .. مفهوم ؟

Thursday, March 25, 2010

عمالة مجتمع المعلومات

العالم اليوم ـ عام 2004 ـ راجي عنايت

..من العمل التعيس
! إلى العمل الممتع

في أواخر خمسينيات، و أوائل ستينيات القرن العشرين، صاحب ظهور آلات التسيير الذاتي، أو الروبوت، في الدول المتطوّرة، تغيّرا كبيرا في مفهومي " العمـل " و "البطـالة "، كما عرفا على مدى ما يزيد عن قرنيـن، هما عمـر عصر الصناعة . كما ترتّب على ذلك الأخذ بنظم إدارية و تنظيمية جديدة تماما، لم تكن معروفة من قبل . و الأكثر من هذا، أن التحوّل الكبير في طبيعة العمل قاد إلى ضرورة تغيير الأسس و النظم التي قام عليها التعليم، في مختلف مراحله

معظمنا يعرف الحياة التي عاشها العمال، في ظل سيادة مبادئ و أسس المجتمع الصناعي، و التي ما زالت سائدة في الكثير من الدول النامية .. العمل اليدوي المتكرر أمام خطوط التجميع . يقوم فيه العامل بجزئية بسيطة من العمل، تتكرر كل ساعة و كل يوم و كل سنة، لا تحتاج منه إلى أن يعمل عقله أو يفكّر، دون أن يعرف شيئا عن العلاقة بين ما يفعله، و ما يقوم به غيره من العمال من حوله .. كل ما عليه هو أن يبدأ العمل مع صفارة المصنع، و يتوقّف عندما تنطلق، ليأخذ راحة، أو يتناول طعام غذائه، أو ينصرف بعد انتهاء العمل، خلال ذلك يكون عليه أن يطيع رئيسه المباشر في مكان العمل ( رئيس العمال أو الفورمان )، و ألاّ يحاول تخطيه لمن هم أعلى من الرئاسات ..حياة تعيسة فعلا، و لكن لم يكن أمام العامة من أبناء الشعب سواها

تكنولوجيا المعلومات

لم يبدأ حدوث التغيّر في تلك الظروف، إلاّ بعد قيام ثورة المعلومات، و التوصّل إلى تكنولوجيات المعلومات غير المسبوقة، مثل الكمبيوتر، و الإدارة الرقمية، و الروبوت . فما الذي فعلته هذه التكنولوجيات المعلوماتية في البشر، و في مجال العمل بشكل خاص ؟
أولا : جميع الأعمال الروتينية، في المصنع أو المكتب، تمت برمجتها، بحيث يستطيع الإنسان الآلي أو الروبوت أن يتولاّها نيابة عن الإنسان . و ظهر أن الروبوت يقوم بهذه الأعمال على أفضل صورة، و بمنتهى الدقة، لا يكل و لا يمل و لا يشكو أو يتراخى . أي أن الروبوت أصبح يقوم بهذه لأعمال الروتينية بطريقة أفضل من الإنسان
ثانيا : ومع دخول الإدارة الرقمية و الكمبيوتر، و الروبوت الذي يتحكّم فيه الكمبيوتر، إلى مجال العمل، و توليه جميع الأعمال العضلية و الروتينية، التي كان العامل يقوم بها طوال عصر الصناعة، بقي للبشر شكل جديد من العمل، هو العمل العقلي أو المعـرفي، الذي يحتاج إلى إعمال العقل و الابتكار، و التصـدّي للمشاكل كلما ظهرت، و التفكير في بدائل الحلول الممكنة لكل مشكلة، و اختيار الحل الأنسب، و تطبيقه، ثم التثبّت من سلامة الاختيار

علاقة جديدة مع مجال العمل

ثالثا : و هذا هو ما نعنيه بالعمل الممتع، باعتبار أن نوع العمل العقلي الجديد، يتضمّن احتراما لآدمية الإنسان، و لقدراته العقلية . أضف إلى ذلك أن العمل العقلي يعفي العامل الجديد من التحكّم الذي كان صاحب العمل يمارسه على العامل العضلي، في عصر الصناعة . لم يعد العامل المعرفي، كسابقه، قابل للاستبدال، بالسهولة التي كان يتم بها هذا من قبل . كان من الممكن الاستغناء عن أي عامل يرى صاحب العمل تجاوزه لحدّه، بطلب رفع أجور العمال، أو تحسين ظروف العمل . و كان يستطيع الاستعاضة عن المستغنى عنهم في ظرف ساعات قليلة، يتدرّب فيها العمّال الجدد، على العمل الروتيني المطلوب منهم ... لكن، العامل المعرفي، الذي يجلس أمام الكمبيوتر، ليضع برنامجا لإدارة جانب من العمل، أي ليبتكر إضافة هامة للعمل، لا يمكن الاستغناء عنه بسهوله، أو استبداله بعامل آخر، يواصل نفس المهمّة . و هذا يؤثّر بالضرورة على العديد من الثوابت التي قامت في عصر الصناعة، بالنسبة لمجال العمل، من ذلك وضع نقابات و اتّحادات العمال، و مدى حاجة العامل العقلي الفرد إلى مثل تلك التنظيمات
رابعا : و العامل المعرفي لا يخضع في عمله للتقييم الكمّي الذي خضع له العامل العضلي في عصر الصناعة. كان بإمكان صاحب العمل أن يحدد للعامل حدّا أدنى من العمل المتكرر الذي يقوم به يوميا، إذا نقص عمله عن ذلك يمكن أن يعاقب ماليا، و إذا زاد عنه لقي التكريم، و ربما بعض المزايا المادية . لكن العامل المعرفي أو العقلي الجديد لا يخضع لهذا القيد، لأنه يبتكر، و لا يمكن لصاحب العمل أن يقول له ابتكر أكثر أو أسرع . و هذا هو ما نشهده في المجالات التي يشيع فيها العمل العقلي . و يصف هذا الجو الكاتب المستقبلي آلفن توفلر، بعد زياراته لمصنع كمبيوتر في (سيليكون فالي )، فيقول : المكان نظيف وهادئ، مناضد العمل مزينة بالورود و النباتات و الصور العائلية و التحف الخاصّة . و العامل يستمع إلى الموسيقي التي يحبّها أثناء عمله، من خلال سماعات (الووكمان ) الخاص به

نظام تعليمي جديد

هذا العامل الذي يمارس العمل العقلي، يحتاج بالضرورة إلى نوع من التعليم، يختلف اختلافا كبيرا عن التعليم الذي كان يستهدف إعداد العامل العضلي ( و هو التعليم الذي ما زالت الكثير من المجتمعات ـ و من بينها مصر ـ تأخذ به، بصرف النظر عن انقضاء أهدافه ) . التعليم العام الذي أخذ به عصر الصناعة كان مصمما لتخريج أجيال من العاملين في المصانع و المكاتب، قادرة على أداء العمل الروتيني المتكرر، دون فهم لعلاقته بما قبله أو بعده، استجابة لأوامر الرئيس المباشر التي لا تناقش، و لمواعيد العمل الدقيقة التي يقتضيها العمل المشترك على خط التجميع . لكن إعداد العامل العقلي أو المعرفي يقتضي نظاما مناقضا تماما للنظام الذي ساد في عصر الصناعة.. نظاما يعد الدارس لكي يصبح مبتكرا مبدعا مبادرا، متحملا للمسئولية، قادرا على اتخاذ القرار، بالنسبة للمشاكل التي تعرض له

نظام إداري جديد

هذا التحوّل في العمالة، من العضلية إلى العقلية، و ما صاحبه من انقضاء لجدوى النمطية، و ميل إلى المزيد من التنوّع و التباين و الاختلاف بين الأفراد، و انتهاء لمصداقية البيروقراطية و نظم التسلسل الهرمي، التي شاعت في كلّ جوانب الحياة الصناعية، يقود إلى ضرورة الأخذ بنظم إدارية غير مسبوقة، و لا تشبه تلك التي أخذنا و نأخذ بها حاليا
و الذي نمضي إليه لن يكون نظاما واحدا نمطيا، حتّى مع اختلافه عن النظام الذي شاع في عصر الصناعة، بل سيكون ـ نتيجة للتنوّع و التشظّي في المجتمع الذي تحدثنا عنه ـ على شكل العديد من الأشكال التنظيمية الجديدة .. و تبعا للتنوّع في أشكال النشاط الاقتصادي، سنجد إلى جانب الاقتصاد العام أو الخاص، أو المشترك، سنشهد ذلك التنوّع الذي قد يتضمّن أيضا " التعاونيات الإلكترونية "، أو جماعات الإنتاج الصغيرة على أساس عائلي أو ديني
كذلك سنشهد صحوة قوية للإنتاج من أجل الاستهلاك الشخصي، الذي كان سائدا على امتداد عصر الزراعة، و اختفى مع سيادة عصر الصناعة . و هذا النوع من الإنتاج، تقول الأرقام أنه آخذ في الازدهار، مع انتشار الآليات المساعدة على تحقيق شعار : اصنعها بنفسك

* * *

كل هذه التحولاّت جاءت نتيجة لظهور الأشكال المتقدمّة من التكنولوجيات المعلوماتية .. و نحن في طرحنا للنتائج ربما نكون قد اقتصرنا على الجانب الإيجابي من التحوّلات، و التي نتحوّل بها من العمل التعيس إلى العمل الممتع . لكن، هناك أيضا من النتائج ما يوجب القلق و الانتباه، بل تجاوز مجرّد الإحساس بالقلق إلى الفزع من النتائج المتزايدة الأثر، و خاصة في الدول المتقدمة صناعيا .. أعني بذلك البطالة البنيوية الناتجة عن الاعتماد على الروبوت و الإدارة الرقمية في السواد الأعظـم من طاقة العمل، في المكتب و المصنع

Friday, March 19, 2010

أداة التهذيب الديموقراطية

العالم اليوم ـ 2004 ـ راجي عنايت

القرار السـياسي يتجاوز
ما هو : هنـا .. والآن
الدكتاتور و الطاغية = مستقبل مظلم
الثابت، أننا في أشد الحاجة إلى تصميم عمليات سياسية مناسبة لاتخاذ القرارات الجماعية، عمليات تكون على مستوى البيئة المستجدة لاتخاذ القرار .. و البديل هو أن نستعد لمواجهة كارثة شاملة، هذا هو ما يقوله توفلر في مقدمة كتاب الديموقراطية التوقعية
في مواجهة الانهيار المتواصل عند مركز عملية اتخاذ القرار، يمكننا أن نسلك أحد طريقين
الطريق الأوّل : هو محاولة المضي قدما في تقوية السلطة الحكومية، بالاعتماد على المزيد من السياسيين الإضافيين، و البيروقراطيين، و المستشارين ذوي الخبرة، مع التركيز على العقول الإلكترونية، على أمل اجتياز محنة التسارع و التعقيد و التركيب في الأحداث، المحلية و العالمية
و الطريق الثاني : هو البدء في تخفيض عبء اتخاذ القرار، بتوسيع قاعدة المشاركين في ذلك العبء، و السماح بمزيد من القرارات التي يتم اتخاذها في القواعد و الأقاليم، أو في مراكز النشاط الفئوي، عوضا عن التركيز على قيادة صنع القرار المتخمة في المركز
الطريق الأول يقود إلى المزيد من المركزية و التكنوقراطية و الشمولية، بينما يقود الطريق الثاني إلى ديموقراطية جديدة، ذات مستوى أكثر تطوّرا . و يستطرد توفلر قائلا أنّه لا يعتقد بوجود أسباب تحضّ على سلوك الطريق الأول، فالقول بأن المركزية و الشمولية في اتخاذ القرار هما السبيل إلى " الكفاءة "، و أن الديموقراطية تقود إلى التشويش و الإخفاق .. هذا القول ليس سوى خرافة زائلة . فالنظر الأمين إلى الديموقراطية، بشيء من التعقّل، على ضوء نظرية المعلومات و اتخاذ القرار، بعيدا عن النظريات السياسية البالية، يفيد أنها تحقّق من الفضائل ما تفتقده المركزية و الشمولية

مستقبل الدكتاتور
ما يحدث اليوم في مختلف المجتمعات من تغيير متلاحق متسارع، يجعل مهمة الطاغية أو الدكتاتور محفوفة بالمخاطر . و إذا كان الدكتاتور قادرا على الحركة السريعة، نتيجة لعدم اضطراره لسماع و مواجهة الرأي الآخر، فإن هذا يعتبر
ميزة في حالة كون ذلك الدكتاتور حكيما و ذكيا، و أيضا في حالة كون مجتمعه نمطيا، بثبات نسبي . و قد أثبتت التجارب السياسية، في مختلف أنحاء العالم، أنه في حالة تحقّق ذلك، فأن العائد الذي يصل إليه هذا النظام يكون مقترنا بمخاطر هائلة
يقول توفلر : تصرفات الحاكم الأوحد تصبح بشكل متزايد عرضة للخطأ، و متسمة بالخطورة . و هي و إن كانت تستهدف تضخيم الذات، إلاّ أنها ـ في أغلب الأحيان ـ تقود إلى تحطيم الذات، إذا لم تتم مراجعتها عن طريق معارضة ديموقراطية، و إذا لم يجر تصحيحها و تقويمها على ضوء الأفكار المتغيرة القادمة من أسفل .. ثم يستطرد قائلا
أنّه على العكس من هذا، يقود تضاعف قنوات التغذية المرتدة القائمة بين المواطنين، و بين صنّاع القرار في الحكومة، و خاصّة التغذية المرتدة السلبية، إلى المحافظة على استقرار المجتمع .. فهي تعمل عمل (الثرموستات) في الأنظمة الحرارية، الأمر الذي يؤدي إلى تخفيض مخاطر الخطأ . كما يعني أيضا أن ارتكاب الخطأ يكون من الممكن تصحيحه بأقل الخسائر
كلما ضعفت التغذية، و التغذية المرتدة، في العملية الديموقراطية، زادت الفجوة بين القرارات و الواقع، و زاد خطر بقاء الأخطاء بدون تصحيح، حتى يتضخّم أثرها، و تتحوّل إلى أزمات

الزمن كعامل مؤثّر

يمكن أن يصبح الحديث عن ديموقراطية المشاركة ناقصا ـ بشكل ما ـ إذا أهملنا النظر إلى الزمن كعامل مؤثّر في سلامة القرار . و لكي تكون مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار فعّالة، لا بد أن يتجاوز اهتمامهم ما هو " هنا و الآن "، عند اتخاذهم للقرار . و أن يدخلوا في اعتبارهم الأوضاع الأكثر أهمية، و التي تؤثّر على المستقبل البعيد
إن ترك المواضيع طويلة المدى زمنيا للآخرين، على سبيل الإهمال أو عدم الاهتمام، ينتهي بالمواطنين ـ على أحسـن الفروض ـ إلى التورّط في اتخاذ قرارات قاصرة، ثم إلى الدخول في معارك، عند التصدّي للتصوّرات بعيدة المدى، التي يكون غيرهم قد وضعها . و هذا هو السر في أن الديموقراطية التوقّعية تصرّ على دمج التغذية المرتدة للمواطنين بتوفّر الوعي المستقبلي لديهم
المراقب المتأمّل للتجارب الأولى، في حقل الديموقراطية التوقّعية، في المجتمعات التي شرعت في الأخذ بها، سيلاحظ توتّرا متناميا بين أولئك الذين يؤمنون أساسا بالمشاركة، مع عدم اقتناعهم القوي بالتوجّه المستقبلي، و بين أصحاب الفكر المستقبلي الذين لا يضعون ثقلا مناسبا للمشاركة

معالجة جديدة لعملية اتخاذ القرار

من المهم أن نتّفق على أن هذا التركيز على المستقبل بين الجماهير، ليس له علاقة بما عرفناه من جهود المخططين التكنوقراطيين .. الذين يتصوّرون أننا نحتاج إلى " خطة شاملة " لربع القرن القادم مثلا . أو بمن يتحمسون
للوصول إلى إجماع حول قضية ما، بما يعني أن نمضي جميعا وراء رؤية واحدة
.. كلّ من هذين الموقفين يعتبر من مخلّفات المجتمع النمطي المنصرم
أهم ما يناط بأولئك الذين يلتزمون بالديموقراطية التوقّعية، ليس السعي إلى استنباط أهداف محددة للحي أو المدينة أو المحافظة أو الدولة، و لكنه السعي إلى خلق و استنباط معالجة جديدة لعملية اتخاذ القرار، تتم فيها بصفة مستمرة إعادة تقييم الأهداف، بصرف النظر عن كونها أهداف هذا أو ذاك، و بأن يتم ذلك على ضوء التغيير المتسارع الذي نعيشه
و على هذا، فالديموقراطية التوقّعية لا تعد بسلامة القرار الذي يتخذه عامة المواطنين ( حتّى عندما يتم ذلك بمساعدة الخبراء، كما هو الحال دائما )، كما أنها لا تفترض قدرة المواطن على فهم الأمور التقنية دون تعليم أو مساعدة من الخبراء، و هي لا تسعى ـ بالضرورة ـ للوصول إلى إجماع، دعك من فرضه .. إن ما تفعله هو بناء جمهور للمستقبل، و ليس هناك ما هو أهم من ذلك .. إنّها توفّر عددا كبيرا من المواطنين النشطين، الذين ـ بصرف النظر عمّا يمكن أن يكون بينهم من اختلافات ـ يتّفقون في اعتقادهم بأن خط النهاية للحياة السياسية يجب أن لا يقف عند حد الانتخابات التالية

الفرص و البدائل الخلاّقة

هذا الجمهور المستقبلي، إذا جاز التعبير، يساعد على تحرير الساسة الأذكياء، و موظفو الدولة، من قيودهم الحالية، ممّا يتيح لهم القيام بعملهم بطريقة أفضل، حتّى في ظل أدوات اتخاذ القرار الحالية غير المناسبة ..و تحررهم بما يتيح لهم التحدّث بصراحة و ذكاء عن الاحتياجات بعيدة المدى، دون أن يظهروا بمظهر البلهاء أو المخرّفين
و هكذا، توفّر الديموقراطية التوقّعية دعما للسياسات بعيدة النظر،و تضاعف من تقديرنا للفرص و البدائل الخلاّقة، بما في ذلك الرؤى المستقبلية، التي عادة ما يتم استبعادها بتأثير الاستقطاب السياسي
يقول توفلر : إذا نظرنا إلى الديموقراطية التوقّعية، على ضوء ضخامة المخاطر التي تواجهها، فقد نراها مجرّد استجابة متواضعة .. فهي لا تتضمّن حدثا دراميا، و هي لا تقتل و لا تخطف خصومها، كما أنها لا تهدد بقلب نظام الحكم بشكل تآمري .. إنها في جوهرها أداة تهذيب ديموقراطية . و مع ذلك، فإننا نرتكب خطأ كبيرا عندما نقلل من قدر القوّة التي تولّدها، أو من دلالة هذه الطاقة السياسية الجديدة

Monday, March 15, 2010

انقضاء حلم الوحدة الاندماجية

نهضة مصر ـ عام 2004 ـ راجي عنايت

جامعة للشعوب العربية
بدلا من جامعة الحكّام العرب
سيادة الديموقراطية شرط معاصر لوحدة الشعوب

الأحلام و الأماني، كما قلت من قبل، لا تتحقّق إلاّ إذا كانت تشكّل منفعة اقتصادية للمجتمع . و قد وضّحت كيف كان الانتقال إلى أسس مجتمعية جديدة في بدايات عصر الصناعة، سببا لإنهاء العبودية و الرقّ في العالم . و كيف يمكن أن يكون الانتقال إلى الأسس المجتمعية الجديدة لمجتمع المعلومات سبيلا لنيل المرأة حقوقها غير منقوصة، لأوّل مرّة في تاريخ البشر
و بنفس المنطلق، دعونا نتأمّل مصير حلم الوحدة العربية الاندماجية، الذي مازال يراود خيال البعض، كلّما شعروا بالضعف و المهانة، و قسوة الطغيان الإسرائيلي الأمريكي
هناك أكثر من سبب لاستحالة تحقيق الوحدة الاندماجية بين الشعوب العربية . بعض هذه الأسباب تاريخي، يتّصل بالزمن الذي كان يمكن ـ بل يجب ـ فيه الدخول في وحدة اندماجية لفتح أبواب التقدّم الاقتصادي و السياسي . و البعض الآخر سياسي اجتماعي، يتّصل بالواقع الراهن للنظم العربية، و علاقتها بشعوبها . و هناك سبب أخير ينبع من عدم فهم طبيعة قيام الكيانات الأكبر في عصر المعلومات

بين بسمارك و عبد الناصر

الوحدات الاندماجية الكبرى التي شهدها العالم، تمّت في بدايات عصر الصناعة، كالوحدة الألمانية على يد بسمارك، و الإيطالية على يد غاريبالدي . فبعد شيوع تطبيقات الآلة البخارية، و التحوّل من إنتاج الحرفيين اليدوي، قطعة بقطعة، و وفقا لطلب المستهلك غالبا. إلى إنتاج الآلة التي تضخ مئات الآلاف من المنتجات النمطية في أقصر وقت . قاد هذا إلى اشتداد المنافسة، ممّا استوجب أن تتجمّع القدرات الاقتصادية المحدودة في كلّ أكبر، يكون قادرا على منافسة باقي الدول الصناعية، و على أن يحظى بنصيب أوفر من المستهلكين المنتشرين في أنحاء العالم، و فق قواعد السوق الجديدة التي قامت تلبية للوضع الجديد و دون الدخول، بتوسّع، في خصائص المجتمع الصناعي، نقول أن قيامه على مبادئ النمطية، و المركزية، و التركيز، جعل من الطبيعي دخول الوحدات اصغر مندمجة في كلّ أكبر . و هذا هو الذي ساعد على قيام الدول الصناعية الكبرى، من اليابان و حتّى أمريكا
لقد كان الاستعمار عنصرا أصيلا من عناصر عصر الصناعة، و أداة أخرى من أدوات رفع القدرة التنافسية لدى الدول الصناعية . و شاء واقعنا الحضاري في العالم العربي أن نكون في جانب الدول الخاضعة لاستعمار الدول الصناعية الكبرى، نوفّر لها المواد الخام و الوقود و الأسواق و الأيدي العاملة الرخيصة .. و في نفس الوقت نتنازل لها عن إرادتنا، على مدى ما يقرب من قرنين . و لم يبدأ تغيّر هذا الوضع، إلاّ مع اهتزاز قواعد عصر الصناعة، مع قيام ثورة المعلومات، بعد منتصف القرن العشرين
في هذا التوقيت بالذات، ظهر عبد الناصر ليبشّر بالوحدة العربية، بعد انتهاء عصر الوحدة الاندماجية، و قيام الكيانات الأكبر على أسس أخرى، نابعة من طبيعة و احتياجات عصر المعلومات

أوروبا و التنظيم الشبكي

و لعل تجربة الوحدة الأوروبية أن تكون خير مثال لطبيعة الارتباط بين الدول في كيان أكبر، على أساس التنظيم الشبكي، الذي يعتبر البديل المعلوماتي لمركزية عصر الصناعة . التنظيم الشبكي، يضم عدّة جهات، أو دول، أو أفراد، و يقوم على أساس المنفعة المتبادلة بين الأطراف، و يكون من حقّ أي عنصر فيه أن ينسحب إذا وجد أنّه لا يستفيد من هذا الارتباط
و تجربة الوحدة الأوروبية تنجح كلّما اقتربت من التنظيم الشبكي، و كلّما اقترب فهم الدول الداخلة فيها من فهم أصول و خصائص التنظيم الشبكي . لهذا، تواجه الوحدة الأوروبية مشاكل لا تنتهي نتيجة تفاوت هذا الفهم بين الدول الداخلة فيها . و هذا هو سرّ المشاكل الأخيرة القائمة على صلاحيات التصويت، و اعتراض بعض الدول الأصغر على رغبة الدول الأكبر في أن يكون لها أكثر من صوت، ممّا يمكن أن يقترب من صلاحيات الفيتو التي نشهدها في مجلس الأمن

غياب التجانس السياسي و الاقتصادي

دخول الدول الأوربية إلى الاتحاد الأوروبي، يشترط تحقّق حد أدنى من التوازن الاقتصادي، و الحياة الديموقراطية . و هذان شرطان ضروريان لقيام نظام متجانس على أساس شبكي . و نحن ـ بكل أمانة ـ نفتقد التجانس الاقتصادي بين الدول العربية
و الأكثر من هذا، هو غياب الحياة الديموقراطية الجادة في جميع الدول العربية على الإطلاق
الوحدة الأوروبية، تقوم بين الشعوب الأوروبية التي تمارس حياة ديموقراطية، قد لا تكون كاملة في كثير من الأحيان، لكنّها تلبّي كافة اشتراطات الممارسة الديموقراطية الفعلية، ممّا نفتقده في الدول العربية

كيف تقوم الوحدة بين مجموعة من الحكّام العرب ؟

و كيف تستمرّ هذه الوحدة، و نحن نرى الحكم في العالم العربي يتعرّض لمزاج و مطامع و أمراض هؤلاء الحكّام ؟! . حكّام ينقلب عليهم أبناؤهم، و حكّام يورّثون جمهورياتهم لأبنائهم، و حكّام مصابون بجنون العظمة يتحولون ـ رغم أنفهم و بإرادتهم أحيانا ـ إلى دمى في يد الدول الكبرى، كالولايات المتّحدة الأمريكية و بريطانيا . كيف يمكن أن تقوم وحدة بين هؤلاء الحكّام ؟

الخطوة الأولـــى

الخطوة الأولى، التي لا مناص منها، هي قيام ديموقراطيات فعلية في الدول العربية، و ليس مجرّد تمثيليات ديموقراطية . ديموقراطيات لا تشبه في شيء تلك الديموقراطيات الشكلية التي يريد أن يفرضها بوش علينا، كوسيلة لفرض إرادته، و تحقيق مخططاته الاستغلالية . ديموقراطيات، أفضل من الديموقراطية الأمريكية ذاتها، تقوم على المشاركة الفعلية للمواطنين في اتّخاذ القرارات التي تتصّل بصميم حياتهم، دون توكيل . و تقوم على تحوّل إلى النظام اللامركزي الذي يفرضه واقع مجتمع المعلومات، و الذي يتضمّن الهبوط بمعظم مسئولية اتّخاذ القرار، من القمّة إلى المستويات الأدنى، و حتّى القاعدة
كيف يتم هذا ؟، و ما الذي سيدفع الحكام العرب الحاليين إلى اتخاذ خطوات إيجابية، و إلى السماح بحدوث هذه التحوّلات الضرورية ؟ .. و هل يمكن أن نفكّر في جامعة للشعوب العربية، بدلا من جامعة الحكّام العرب ؟

Thursday, March 11, 2010

الرأسمالية في أعقاب الاشتراكية

عالم اليوم ـ عام2004 ـ راجي عنايت

.. الذي يحدث هو
..! صحوة الموت للرجعية الرأسمالية


كتبت هذا عام 2004 قبل أن تتجمّع رياح
العاصفة الاقتصادية التي تجتاح العالم اليوم
ألم يحن الوقت لأن نتوقّف عن التناول السطحي
و نعتمد على الرؤية الشاملة للمسـتقبل

عندما انهار النظام الاشتراكي، حلا للبعض أن يتصور ذلك انتصـارا نهائيا للنظام الرأسمالي، فكتبت في ذلك الحين أقول أن الاشتراكية و الرأسمالية، هما وجهان لعملة واحدة، هي المجتمع الصناعي .. بمعنى أن النظام الاقتصادي الرأسمالي، و النظام الاقتصادي الاشتراكي، هما طريقتـان مختلفتان للتعامل مع واقع المجتمع الصناعي
لم أكن أتوقّع أن يقنع هذا أحدا من دعاة الاقتصاد الرأسمالي، و هم المنتصرون الفرحون بهزيمة النظام الاشتراكي . و لعل الكوارث التي تلحق بالبشر نتيجة الغرور الذي أصاب الرجعية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، أن تكون مؤشّرا على قرب انهيار النظام الاقتصادي الرأسمالي، و صحوة الموت للرجعية الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، و في غيرها من البلاد
لا أقول هذا على سبيل التفاؤل الكاذب، و لكن لأن تطوّر المجتمع الأمريكي نفسه، و اقترابه ـ أكثر من أي مجتمع آخر ـ من مقتضيات مجتمع المعلومات، هو الذي سيحدث في المستقبل القريب الهزة التي ستضع نهاية لاحتمال الاعتماد على اقتصاد لا ينسجم مع احتياجات مجتمع المعلومات . هذه الهزّة الناجمة عن افتقاد التوازن في المجتمع الأمريكي، و التباين الشديد بين التطوّر العلمي و التكنولوجي في مجال المعلومات، و الاقتراب الملفت من النسق الإداري لمجتمع المعلومات، من ناحية، و بين التخلّف الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي، نتيجة لتمسّك عصابة الرجعية الجديدة بمكاسبها القريبة، و خضوعها للخطة الكبرى التي يرسمها يهود الرجعية الجديدة، الذين يشكّلون الأغلبية في هذه العصابة
و حتّى لا أتّهم بمعاداة السامية، أورد نقلا عن ( هاآرتز ) الإسرائيلية، ما كتبه فيها آري شافيت، في 11 فبراير : " الحرب في العراق كانت من تفكير 25 مثقفا من الرجعيين الجدد، معظمهم من اليهود، و هم الذين يدفعون بوش لتغيير مسار التاريخ (!!).." ـ هاآرتز

بطالة : تقليدية أم بنيوية

الذي يهمنا الآن، هو الحديث عن معدّل البطالة المتزايد في أمريكا، و ما يعد به بوش من قضاء عليها، لو أتيح له أن يفوز بولاية جديدة . و الحقيقة أن ما يشكو منه المجتمع الأمريكي، تشكو منه جميع المجتمعات المتطوّرة صناعيا، في الشرق و الغرب، و يصبح الموضوع الأهم في جميع عمليات الانتخاب التي تجري حاليا في معظم دول العالم، لأن المشكلة تمس المجتمع البشري بأجمعه
لكي نفهم أبعاد هذه المشكلة، علينا أن نفرّق بين نوعين من البطالة
أولا : البطالة التقليدية، التي عرفها العالم الصناعي، و كانت له طرقه في مواجهتها
و ثانيا : البطالة البنيوية، التي لم يعرفها مجال العمل قبل بدايات عصر المعلومات
البطالة التقليدية، تحدث دون تحوّل جذري في النظام المجتمعي للدولة، أي عندما تكون أسس المجتمع و مبادئه قائمة كما هي، دون تغيير . و هي تنتج عن سوء التخطيط، أو لظروف خارجية لم تكن متوقّعة، كما هو الحال في جميع الدول النامية، و في بعض الدول الصناعية، عندما يغيب التخطيط السليم، الذي يحقّق التوازن بين فرص العمل المتاحة و الأعداد الداخلة إلى مجال العمل
و قد كان الحل يتراوح بين إعادة الحسابات في مجال العمل، و سياسات التعليم، و بين ضخّ دفعات من الأموال في السوق، لنشوء أعمال جديدة، تفتح فرص عمل جديد للمتعطلين . هذا، بالإضافة إلى حلول متواضعة لفرض تعويضات للبطالة
كانت هذه الحلول تقود إلى تخفيف أزمة البطالة في معظم الأحيان، و كانت طبيعة العمل تسمح بمساومة العامل، لقبول أجر أقل، ممّا يزيد طاقة التشغيل

.. بطالة لم تجد حلا
ّ
أمّا ما نطلق عليه البطالة البنيوية، فهو نوع مختلف من البطالة، تعاني منه الدول المتقدمة صناعيا أكثر من الدول النامية، و هو ناتج عن التحوّلات الجذرية التي طرأت على البشر، بالدخول إلى مجتمـع المعلومات . هذه هي البطالة التي لم يصل أقطاب الاقتصاد الرأسمالي إلى حلّ لها حتّى الآن . و هي التي تدور حولها دعايات الناخبين، في العمليات الانتخابية التي يدور رحاها في أنحاء العالم من شرقه إلى غربه، دون أن تحمل هذه الدعايات حلاّ لمشكلتها
السرّ في بقاء المشكلة بلا حل، هو عدم اعتراف القوى الاقتصادية المسيطرة على دول العالم بجذرية التحوّل الذي يحدث في الأسس المجتمعية، و يقود إلى نوع جديد من الحياة، يختلف عن الحياة التي عرفناها و عرفوها على مدى ما يزيد عن قرنين من الزمان . أي عدم الاعتراف بعدم قدرة الاقتصاد الرأسمالي، أو الاشتراكي، على التعامل مع الواقع الاقتصادي الجديد لمجتمع المعلومات، و عدم إقراره بضرورة البحث عن البنية الاقتصادية الجديدة التي تنسجم مع احتياجات مجتمع المعلومات
كل الأحزاب تورد في حملاتها الانتخابية وعدا بحل مشكلة البطالة، و عندما تصل إلى الحكم، يتبخّر ذلك الوعد، إلى أن يحين موعد الانتخابات التالية، و تتكرر الوعود دون إنجاز ما . و هذا هو ما فعله بوش الابن في حملته الانتخابية
و ما يفعله منافسه الديموقراطي هذه الأيام ..و تظل معدّلات البطالة في ارتفاع، طالما بقى التناقض الكبير بين سياسات احتكارات النفط و السلاح و بين واقع التحوّل الذي ينكرونه

مواجهة البطالة البنيوية

لكن، كيف يمكن أن يخرج العالم من هذه المحنة ؟ . هل هناك وسيلة ما لمواجهة هذه البطالة البنيوية ؟
الإجابة ـ ببساطة ـ تبدأ من الاعتراف بأنّنا نمضي نحو مجتمع جديد، يقوم على أسس و مبادئ جديدة، غير تلك التي قام عليها المجتمع الصناعي . الاعتراف بأن الاقتصاد و الطاقة و الإدارة و التعليم و العلوم و الممارسة السياسية و القيم و الثقافـات الخاصة بمجتمع المعلومات تختلف عن نظيراتها في مجتمع الصناعة .. بالضبط كما اختلفت في عصر الصناعة عن نظيراتها في عصر الزراعة
و من البديهي أنني لا أملك الحل الشافي لهذه المشكلة، لكن الآراء المطروحة لمواجهة البطالة البنيوية تركّز على ضرورة إعادة التأهيل و التدريب للقوى العاملة حتّى تكون قادرة على ممارسة العمل المعرفي . الغريب في الأمر، أنّه في الوقت الذي يتزايد فيه عدد الذين يفقدون أعمالهم، يشكو أصحاب الصناعات الجديدة المتطوّرة تكنولوجيا من نقص العمالة التي يحتاجونها ! .. لهذا، يغلب أن يكون الحل في التدريب و إعادة التدريب، لتحويل العمالة من عمالة عضلية إلى عمالة عقلية
و من البديهي، أن دخول الروبوت و الإدارة الرقمية إلى مجال العمل، يجعل فرص تشغيل العمال، حتّى أولئك الذين جرى تأهيلهم و تدريبهم، فرصا ضعيفة . و من هنا، وجب استثمار الأعداد الفائضة في مجالات العمل الجديدة التي صاحبت مجتمع المعلومات، و من أهمّها مجال التدريب و التأهيل ذاته ! . كما أن فتح الباب لأشكال جديدة من العمل يمكن أن يساهم في حل المشكلة، مثل المشروعات الصغيرة و العائلية، ثم الإنتاج من أجل الاستهلاك الشخصي، الذي أصبح يشكّل قطاعا معترف به في اقتصاد مجتمع المعلومات
أضف إلى هذا كلّه، ما يشغل أذهان المفكرين المستقبليين، من إعادة النظر في أشياء لا يدور التفكير حولها، مثل إعادة النظر في عدد ساعات و أيام العمل التي يجب على الفرد أن يعملها، باعتبار أن المعايير الحالية ليست مقدسة، و باعتبار أن العمالة العقلية المعرفية تستحق ساعات عمل أقل، و أيام عطلة أكبر، حتّى تستمتع بحياتها، و حتى يكون ابتكارها أقوى و أكثر فائدة للمجتمع

* * *

لا أظنّ أن أقطاب الرجـعية الجديدة، التي تحكم الولايات المتحدة، يطيقون مثل هذه الأفكار التي نطرحها، و هنا يكمن التفاؤل من خلال سيناريو الكارثة .. فالرفض يعني المزيد من البطالة والمشاكل و التناقضات، و يكون السقوط النهائي للاقتصاد الرأسمالي، بمثل ما حدث للاقتصاد الاشتراكي .. و اقرأ الموضوع من بدايته