Tuesday, February 15, 2011

ممنوع من الشر عام 2006

نهضة مصر – تاريخ الامتناع عن النشر
الثلاثاء 17/1/2006 – راجي عنايت

دفاع عن إبراهيم سليمان و الشاذلي
بعد انقشاع غبار المعركة الوزارية
! ملاحظات و عظات

أختلف مع جميع الذين استنكروا غرابة الإجراءات التي التزم بها النظام الحاكم في تشكيل الوزارة الجديدة .. فما حدث من خلط و فوضى و ارتباك .. و تأكيد ثم تكذيب .. كلّ هذا مرجعه إلى ظاهرة صحيّة هي انتهاء سيطرة العقل الواحد، و بدء تصارع العقول التي استجدت على العملية السياسية .. و هو تصارع لن ينتهي بتشكيل الوزارة
بعد الفوضى الخلاّقة التي زرعتها كونداليزا رايس في المنطقة، اجتزنا مرحلة خروج كل الأشياء من عقل وحيد، تكفّل عن الشعب بأكمله في اتخاذ القرار الصالح . و رغم أن النظام الحاكم ما زال يتصرّف كثيرا و كأن " شيئا لم يكن .. و براءة الأطفال في عينيه "، فإن الواقع الذي تصوّرت أمريكا أنها تفرضه لصالحها، قد تحوّل إلى صالح الشعب و التعددية التي كان ينشدها .. و هذا بصرف النظر عن أطراف هذه التعددية الجديدة، فهي بحكم طبيعة الأمور مؤقّتة، ستخلي مكانها لتعدديات أكثر تعبيرا عن مصالح شعب مصر .. و فيما يلي بعض الملاحظات و العظات المستفادة من دوامة تشكيل الوزارة الجديدة

الشاذلي حقق الهدف

رغم مشاركتي في السعادة الغامرة التي عمّت الشارع المصري بالاستغناء عنهما، إلاّ أنني أعفي الشاذلي و سليمان من كل ما ألصق بهما من ذنوب
كمال الشاذلي دخل الوزارة لسبب واضح، هو أن يقوم بكل ما قام به من أعمال نستهجنها .. و كان ذلك هو مبرر تعيينه وزيرا، باعتباره ـ على حد تعبير مسئول في النظام ـ قادر على القيام بكل المهمات الخاصّة التي لا يقدر عليه أحد ممن استكثروا عليه الوزارة . فهل نلومه بعد ذلك، أم نشكره و نكرّمه ؟ .. و لا أعلم من هو صاحب فكرة إسناد المجالس القومية المتخصصة إليه، فهي فكرة مسيئة للشاذلي، و للمجالس القومية، في نفس الوقت .. و هو أمر يعكس نظرة النظام إلى الثروة الفكرية المصرية
وقد ذكّرني مخزن المجالس القومية بمخازن قديمة، مررت بها . فعندما دخلت معركة الدفاع عن مؤسسة المسرح، في وجه محاولات د. حاتم لحلّها، و الاستغناء عنها بمسارح التلفزيون، أطلق إشاعة أنه سينقلني من مؤسسة المسرح إلى الدار القومية.. فأصبحت الدار القومية، و هي الدار الرسمية للنشر في الدولة هي المنفى
و حدث نفس الشيء بعد ذلك، عندما كنت رئيسا لتحرير الكواكب . فقد نقلني السادات مع مجموعة من خيرة الصحفيين و المثقفين إلى هيئة الاستعلامات، فأصبحت هي المنفى الخاص بالسادات
كيف هانت المجالس القومية المتخصصة على النظام الحاكم الحالي، بكل ما تضمّ من خيرة عقول مصر، لتصبح قيادتها في يد المعزولين، كنوع من التعويض السخيف

د. سليمان لم يخدع أحدا

و الرأي عندي أن د. إبراهيم سليمان لم يخدع أحدا .. لقد كان سلوكه معروفا تماما قبل أن يختاره النظام، كبديل للرجل المحترم الأمين حسب الله الكفراوي، الذي رفض أن يتنازل عن احترامه لموقعه و لنفسه، بعكس جميع المشتاقين..الذين استوزرهم النظام
و الحكومة حرّة في أن تمنح من تشاء ما تراه من الأوسمة و النياشين، فهذه مسائل ليس لها قواعد أو نظم أبعد من مزاج الحاكم و مصالحه. لكنّي أعتقد أن هذه الأوسمة تفقد قيمتها في نظر الجميع عندما تمنح لشخصية أجمع الكثيرون على كراهيتها، و تخضع بطانتها لتحقيقات فساد لا نعلم مدى اتساعها بعد ذلك
و نفس الشيء ينسحب على وزير التعليم الأسبق د. حسين كامل بهاء الدين .. لقد ساهم في التدهور الشديد الحالي في أوضاع التعليم في مصر، و حاول دائما أن يتملّص من مسئولية أفعاله، بترديده الدائم للتعبير المعيب " بفضل توجيهات السيد الرئيس " .. و بدلا من تأنيبه على الانهيار المتواصل للتعليم طوال فترة تولّيه الوزارة، التي كافح بالدموع لإطالتها فترة إضافية .. بدلا من ذلك نعطيه نيشانا

طلائع البلوتوقراطية

نأتي بعد ذلك إلى المسألة التي توقّف عندها أغلب المعلّقين، و هي مسألة إسناد الوزارة لأصحاب رؤوس الأموال من رجال الأعمال . و أنا لست ضد الدماء الشابّة التي اقتحمت دائرة الحكم العليا، و هي بجميع المقاييس أفضل من ديناصورات الحكم التي عرفها و اعتاد عليها النظام الحالي .. و كذلك لست ضد الجهود اليائسة التي يبذلها جمال مبارك من أجل افتعال دور سياسي .. و هي يائسة لأنّه يفتقد الحد الأدنى من القبول الشعبي، و لا يدرك أن النظام الذي يريد أن يرثه، قد استنفذ صلاحيته
هل أصارحكم بسر تخوّفي من سيطرة الأثرياء من رجال الأعمال على الوزارة ؟
أشعر ـ و أرجو أن يكون شعوري كاذبا ـ أن جماعة أمانة السياسات بقيادة جمال مبارك، تمضي على خطي جماعة المحافظين الجد بقيادة ديك تشيني ! . و عندي اسبابي الموضوعية لهذا الشعور .. من بين ذلك عنصر " التقيّة " و التكتّم، الذي يعطي انطباع التآمر في كلّ من الحركتين .. ثم تبنّي نفس نهج قبيلة ديك تشيني. بإعداد مانيفستو يغطّي على الهدف الحقيقي، و محاولة فرضه على يد دعاة ينتهجون الحرفة الأمريكية في فرض الأفكار .. ثم محاولة زرع أعضاء القبيلة في المناصب الهامة و المؤثرة في الدولة، لتسهيل سيطرة القبيلة في مواجهة أي معارضة، عندما تحين لحظة الانقضاض
و أخيرا، يأتي هذا التوجّه لتسليم مقادير مصر لمجموعة من رجال الأعمال الأثرياء، الذين لا نعرف لهم رأيا أو سياسة، سوى قدرتهم على زيادة ثرواتهم الخاصّة .. و كان الأمر سيبدو مقبولا لو أن أمانة السياسات كانت لديها رؤية مستقبلية واضحة، تتيح لها أن تختار الأفراد وفقها، فينتمي إليها الذين يتحمّسون لتلك الرؤية ( أقول هذا و قد درست كافة أدبيات الأمانة الموجودة على الإنترنيت ) . أخشى ما أخشاه أن يمضي جهد الإصلاحيين الجدد إلى التشبّه بالمحافظين الجدد في أمريكا، فيتحول نظامنا السياسي إلى بلوتوقراطية، أي حكومة كبار الأثرياء، بدلا من السعي لإرساء الديموقراطية
أرجو أن أكون مخطئا في تحليلي هذا .. فنحن في أشد الحاجة إلى أمل حقيقي

! الوزير المزمن

ماذا يبقى بعد ذلك كلّه ؟ .. قد يكون الوزير المزمن فاروق حسني . و قد أعلن الرئيس مبارك و حرمه خبر بقاء فاروق حسني، قبل إعلان خبر أي وزير آخر، و ربما قبل تحديد رئيس الوزراء أيضا.. و قد تمّ ذلك الإعلان على أوسع نطاق من خلال التوقيت المحكم لافتتاح قصر محمد على .. و ليس هذا بكثير على فاروق .. فإذا كان أنس الفقي ـ على حد قوله ـ قد تخرّج من مدرسة السيدة سوزان مبارك، ففاروق يعتبر معيد، و ربّما مدرّس، في تلك المدرسة و إذا كان النظام يستفيد من جهود الوزير في مجال الآثار، لماذا إذا لا يخترع شيئا من اختراعاته الوزارية، يكون فيه فاروق حسني مسئولا عن الآثار، تاركا الثقافة و هموم الثقافة لأحد عشرات كبار المثقفين، ذوي الفهم و الفكر الأعمق، و القدرة الإدارية، والذين لا يضعون مستقبل الثقافة المصرية رهن المناورات الشخصية، و تكرار خبرات الأجهزة ؟ .. مجرّد اقتراح، ربما ينفع في الوزارة القادمة