Saturday, October 31, 2009

اللامركزية هي سبيل مشاركة الشعب

نهضة مصر – الثلاثاء 20/12/2005 – راجي عنايــت

الحل هو : اللامـركزيـة
و ليس أحزابكم أو تياركم الإسلامي

التوليفة الحزبية التي تصورها السادات، و التي قامت على حزب النظام، و مجموعة من ديكورات الأحزاب التي حرص على جعلها عاجزة عن مناطحة حزب القائد .. هذه التوليفة بأحزابها التي تفتقد جميعا أي رؤية مستقبلية لمصر.. ثبت فشلها، و تأكّدت عزلتها عن جماهير شعب مصر
و بصرف النظر عن أسباب هذا الفشل العام .. هل هو رغبة النظام في مواصلة السيطرة، بأي ثمن، حفاظا على مكاسب و مواقع كهنته و أذيالهم، أم هو ضعف و عجز الأحزاب الأخرى، فالثابت أننا جميعا: النظام، و توابعه الحزبية، و المعارضة الحقيقية، و الشعب، في مأزق كبير .. أهم دلالاته، أن الجماعات ذات المرجعية الدينية التاريخية، الأكثر عزلة عن واقع التطور البشري، و القائمة على النقل و إلغاء غلبة العقل، قد تحرّكت لتملأ الفراغ الرهيب الذي خلقته هذه الأوضاع .. و هي في هذا تستند إلى حقيقة لا بد أن نعترف بها، مهما كانت قسوتها، و هي حالة الأنيميا الشديدة في الوعي و الخبرة السياسية الشعبية، لدى جانب كبير ممّا نطلق عليه ـ أحيانا ـ الأغلبية الصامتة من الشعب المصري

عندما راحت السكرة

عندما أسدل الستار على آخر معارك الانتخابات البرلمانية .. راحت السكرة، و جاءت الفكرة .. ملأت صفحات الجرائد ـ غير الحكومية في الأغلب ـ مقالات و آراء و استفتاءات تدور كلّها حول سؤال واحد هو : و ماذا بعد ؟ . حرصت على متابعة معظم ما كتب .. و مع كل النيات الطيبة، أحسست أننا لم نتعلّم الدرس، و عدنا إلى ترديد نفس ما كنّا نقوله من قبل، رغم أنه لم يصل بنا إلى شيء
تراوحت المعاني التي طرحها الكتاب و الساسة و المفكرون بين عدة أشياء ( و لن أذكر الأسماء فليس الغرض هو الانتقاد، بل تأمّل الأوضاع )
اولا : حالة اليأس الكامل، و التهديد بالكوارث و النوازل .
ثانيا : دعوة أحزاب المعارضة إلى مراجعة نفسها .
ثالثا : أو الدعوة إلى حزب أو أحزاب جديدة .
من البديهي أنني أرفض سبيل اليأس، و إلاّ كنت يئست من عشرين سنة على الأقل ! . كما أن دعوة أحزاب المعارضة الحالية لتجديد نفسها و تنقية برامجها، إلى آخر ذلك الكلام، هو نوع من التفاؤل الكاذب، فهذه الأحزاب شأنها شأن الحزب الوطني الديموقراطي قد فقدت مبررات وجودها . و أعتقد أن دعوة تجديد الذات ليست موجّهة إلى الإخوان المسلمين، فهم قد نجحوا حيث فشل الآخرون، و ليس ببعيد أن يطالبوا هم الأحزاب بأن تعيد التفكير في مرجعياتها . يبقى لدينا بعد ذلك، الدعوة إلى تشكيل حزب جديد

!حزب لم يولد بعد
طرح فكرة الحزب الجديد اكثر من كاتب، لكن الوحيد الذي تكلّم بشيء من التفصيل، كان الأستاذ مجدي الجلاد، رئيس تحرير (المصري اليوم)، فقد كتب في العاشر من هذا الشهر، تحت عنوان الحزب الذي لم يولد، و سأستخلص من كلامه تصوّره لذلك الحزب
أولا : يجمع المستقلّين الذين رفضوا الأحزاب القائمة، فكانوا الأكثر فوزا بالمقاعد
ثانيا : يستوعب الغضب تجاه الحكومة، و يمتصّ (!) الرفض الشعبي للحزب الحاكم
ثالثا : يمتلك رؤيـة وطنية للإصلاح، و برنامجا سـياسيا واعيا . و زعـامات تختلف عن ( سحن) زعماء المعارضة الحاليين
رابعا : يأخذ من "الوطني" ثراءه و إمكاناته، و من "الوفد" ليبراليته و عراقته (؟)، و من "اليسار" ثقافته و حكمته، و من "الإخوان" تنظيمهم و جماعيتهم
مع غرابة هذا المونتاج السياسي، و بصرف النظر عن استحالة تحقيق هذا المخلوق الخرافي، قريب الشبه بمخلوقات الأساطير اليونانية، فجميع المواصفات التي طرحها الأستاذ مجدي، تدخل في باب الأماني و الأحلام .. تماما كالأماني و الأحلام التي أراد الرئيس حسني مبارك أن يزغللنا بها في برنامجه السياسي الطريف . و حتّى لا أظلم الأستاذ الجلاد، أقول أنه في هذا فعل ما فعله جميع الذين طالبوا بحزب جديد، فتكلّموا عن آمال و أحلام، لا تعتمد على أي رؤية مستقبلية حقيقية لمصر
الكلام المفيد

نحن أمام نقيصتان أساسيتان نحتاج إلى دراستهما لكي نستطيع إرساء حياة ديموقراطية نافعة للشعب المصري جميعه، تعبر بنا في أمان إلى عصر المعلومات الذي نزداد غربة عنه يوما بعد يوم، و هما
الأولى : أن الحزب الوطني و باقي أحزاب المعارضة، و الحركات الإيجابية التي تفجّرت وسط حالة الفوران الشعبي، مثل "كفاية" و باقي الحركات التي تستهدف التغيير، و الحزب الجديد الذي يحلم به البعض، كلّها مقطوعة الصلة بأيّ رؤية مستقبلية شاملة لمصر، تقوم على
ـ رصد أمين لخريطتنا الحضارية الحالية، إلى أي مدى تحكمنا العقلية الزراعية، و إلى أي مدى تسيطر علينا العقلية الصناعية، و إلى أي حد استطعنا أن نقتحم مجتمع المعلومات
ـ الفهم الواضح لطبيعة التحوّل الحالي الذي يمر به البشر جميعا في أنحاء العالم، من حياة الصناعة إلى حياة المعلومات، و طبيعة الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي يقودنا إليها ذلك التحوّل
الثانية : أن الضوضاء السياسية و الصخب الانتخابي، و عمليات تقسيم الغنائم و المكاسب، من خلال انعدام الشفافية و غلبة الجشع و الفساد بين المسئولين .. كل هذا يدور في الواقع بين 20% على الأكثر من أبناء مصر، بينما الجسم الأعظم من شعب مصر، في عزلة كاملة عن هذا الذي يجري
التخلّف إشكالية كبرى

معظم أبناء الشعب المصري، ليست لهم أيّة علاقة بما يجري، سوى رشاش من رشاوى المرشحين، أو وقف حال و أضرار من جراء نشاط الأمن المصري العتيد
و الشعب المصري لا يعي شيئا ممّا يجري، و قد أرغمته النظم الحاكمة المتعاقبة، قبل الثورة و بعدها، على أن يبقى دون الحد الأدنى من النضج السياسي المطلوب .. هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، تمهيدا لمواجهتها . و أذكر أن ضجّة ثارت عندما أشار رئيس الوزراء إلى هذه الحقيقة، و اتّهمته بعض الأقلام بالاستعلاء . و رغم تباين الدوافع بيني و بين الدكتور نظيف، لكن الحقيقة تكمن في وجود هذا العجز، الذي يمنع منعا باتا قيام أي نظام ديموقراطي حقيقي صادق فما هو الحل في مواجهة هذه الإشكالية الكبرى ؟ .. لو أننا استبدلنا شياطين العمل السياسي، من المزوّرين و الكاذبين و النهابين و الانتهازيين، و استطعنا تدبير انتداب مؤقّت لمجموعة من الملائكة الأبرار الأطهار ( طبعا عن غير طريق الإخوان المسلمين)، و أجرينا انتخابات على أساس الممارسة السياسية التي نأخذ بها، أعني ديموقراطية التمثيل النيابي، التي تعتمد على توكيل الجماهير لعناصر من النخبة، تنوب عنها في اتخاذ القرارات التي هي في صالح الجماهير ( .. لو أمكن تحقق هذه المعجزة، فستظل النسبة الأعظم من شعب مصر مستبعدة من عملية اتخاذ القرار ...
ما العمل إذا ؟ .. لا تضيقوا بي إذا قلت أن المطلوب ليس هو العمل، بل الفهم الواضح، قبل أي عمل أو إجراء

المشاركة = اللامركزية

لو فهمنا المعارف الأساسية عن عملية التحوّل التي يمر بها الجنس البشري، لأدركنا الحقائق التالية، التي يمكن أن ترشدنا على طريقة مواجهة هذه الإشكالية
أولا
ديموقراطية التمثيل النيابي، نبعت من احتياجات و طبيعة و مبادئ مجتمع الصناعة
ثانيا
هذه الديموقراطية تقوم على مبدأ المركزية الممعنة الذي ساد الحياة الصناعية
ثالثا
رغم أن هذا النوع من الممارسة السياسية كان ـ في وقته ـ خطوة ديموقراطية كبيرة، إلا أنه منذ البداية، لم يحقق الآمال المعقودة عليه . مع تضخّم عيوبه بانقضاء مبادئ عصر الصناعة، و بزوغ مبادئ جديدة، نابعة من طبيعة عصر المعلومات
رابعا
كانت المركزية من أهم مبادئ عصر الصناعة، غير أن ثورة المعلومات بددت أهمية هذا المبدأ، و أصبح الأرجح أن نعتمد على اللامركزية في تصميم نشاطاتنا
خامسا
اللامركزية أصبح لها تطبيقات مختلفة في مؤسسات عصر المعلومات، و كانت ترجمتها في مجال الممارسة السياسية هي " ديموقراطية المشاركة "، التي يشارك فيها المواطنون بأنفسهم في اتخاذ القرارات في كل ما يمس حياتهم مباشرة، و دون إنابة أو توكيل أحد
سادسا
هذا التحوّل في طبيعة الممارسة السياسية جاء نتيجة للتحوّل الذي طرأ على الفرد بوصوله إلى التكنولوجيات المعلوماتية المتطورة، الأمر الذي جعله عارفا بكثير من الأمور، بما يسمح له أن يساهم في اتخاذ القرارات التي تمسّ حياته : و من هنا وجب أن نفهم الثورة المطلوبة في مجال التعليم حتّى يتحقق هذا عندنا .. أن نعرف التحدّي الحقيقي الذي يواجهنا : ليس فقط محو الأمية التقليدية، و لكن أيضا محو الأمية الإلكترونية
سابعا
ديموقراطية المشاركة، بطبيعتها، تقوم على تبنّي منطق مجتمع المعلومات في مجال الإدارة . و هي تقتضي إعادة ترتيب التسلسل الجماهيري الرأسي من القرية و القسم، و حتّى القمّة ( و هذا يحتاج منّا إلى فهم جديد للإدارة المحلية و الحكم المحلّي لحساب الشعب، و ليس لحساب أمن النظام الحاكم
* * *

أعرف أن هذا الكلام يختلف كثيرا عمّا يتردد في وسائل إعلامنا، و قاعات محاضراتنا، و جامعاتنا، لكنه الكلام العملي المطلوب لمواجهة الإشكالية الأهم في حياتنا.. إشكالية إشراك الشعب في تحديد مصيره

No comments:

Post a Comment